السبت, يوليو 27, 2024
الرئيسيةالرأيتحوّل السودانيون إلى ضحايا للشائعات والترويج والحرب النفسية

تحوّل السودانيون إلى ضحايا للشائعات والترويج والحرب النفسية

إذا سُئل أحد النازحين من الخرطوم أو دارفور وكردفان عن الصراع، قد لا يكون قادرًا على الإجابة على الفور. ليس ذلك لعدم علمه، بل لأنه يحتاج إلى وقت لترتيب ذاكرته المثقلة بأحداث الحرب ومآسيها، التي ربما كان شاهدًا عليها أو سمع بها أو حتى نقلت له من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. قد تدمع عيناه وهو يسترجع بشاعة ما شاهده بنفسه أو من خلال مقاطع الفيديو المروعة التي تم توثيقها خلال تلك الفترة الصعبة. هذا يثير التعاطف لديَّ تجاه محنته وحزنه العميق.

قد يكون قد فقد أحباء في تلك الحرب، أو على الأقل فقد ممتلكاته وممتلكات أحبائه. قد يكون ببساطة لا يعرف كل التفاصيل والحقائق عن مجريات الأمور. لم تعد الصراعات تتمحور فقط حول الأعمال العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل تحولت أيضًا إلى معركة إعلامية وشعبية يروج لها وسائل التواصل الاجتماعي. لم يعد الإعلام التقليدي أو الحديث وحده ينقل الأخبار، بل الأفراد أنفسهم هم شهود حينيين على الأحداث في مناطق الاشتباك أو قربها. لا يعتمدون على تلك الوسائل للحصول على المعلومات بل هم يشهدون بأنفسهم تداعيات الصراع ومأساته. قد يقوم البعض بتوثيق تلك الأحداث في مذكراتهم، مما يكشف حجم الخسائر والتضحيات في هذه الحرب المستمرة من أجل السلطة.

ألقى نائب رئيس “مجلس السيادة”، مالك عقار، خطاباً عبر التلفزيون الرسمي الأسبوع الماضي، أكَّد فيه أن الحل للأزمة يكمن في جلسات التفاوض. وعلى الرغم من منصبه، تعرَّض لحملة هجومية عنيفة من قبل دعاة الصراع، وبخاصة من جماعات “الإخوان” وأنصار النظام السابق، الذين ينادون بضرورة استمرار القتال حتى تحقيق النصر على قوات “الدعم السريع”. قاموا بحملات إعلامية مكثفة تستهدف قيادة الجيش وشنوا هجمات ضد دعاة وقف النزاع، اتهموهم فيها بتشجيع “التمرد”.

يُقدَّر عدد الأشخاص الذين هربوا من الخرطوم إلى ولايات أخرى بحوالي 3 ملايين، ولجأ نحو مليون آخر إلى دول مجاورة. وبين سكان المدينة، البالغ عددهم حوالي 10 ملايين نسمة، قطعت المعلومات الدقيقة عن أحوال مدينتهم التي هربوا منها. ولم تعد وسائل الإعلام والصحافة تزودهم بالأخبار. لذا، يعتمدون بشكل كبير على “الإعلام الشعبي” الذي يأتي من الأقارب والجيران في مناطق النزاع، حيث ينقلون بشفافية ما يشاهدونه ويعيشونه، من مواقف مأساوية وكيفية نجاتهم من الموت، ويسردون المغامرات التي خاضوها للبقاء على قيد الحياة. مماثلة لمتابعة الأخبار عن الخرطوم، يتابع الناس تطورات المعارك في دارفور وكردفان عبر “الإعلام الشعبي”، أي من خلال ما يرونه ويسمعونه من أقاربهم وأصدقائهم في تلك المناطق.

بسبب تشديد الرقابة على وسائل الإعلام والصحافة، أصبح الأفراد يعتمدون بشكل كبير على المحتوى الذي ينشره وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الاعتماد أدى إلى أن يصبحوا ضحايا للتضليل الإعلاني الذي يغطي على الحقائق ويشوهها. وبالتالي، أصبحت الحقيقة هي أول ضحايا هذا التحول؛ حيث لم يعد الإعلاميون المحترفون قادرين على أداء دورهم في نقل المعلومات من ساحات النزاع أو من مصادر موثوقة. يعتبر الأطراف المتصارعة هؤلاء الإعلاميين “أهدافاً” وهم ينظرون بحذر إلى أي نقل للمعلومات التي قد تؤثر على سير المعارك أو تكشف جوانب غير مرغوب فيها.

وبسبب هذا الوضع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا حيويًا في نقل المعلومات. يتم ذلك من خلال نشر مقاطع الفيديو التي تُظهر سير المعارك والجرائم والأحداث الميدانية. وبشكل مختصر، أصبح الأفراد يعتمدون على “مصادرهم الخاصة”، وأبرز هذه المصادر هي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكنهم الوصول إلى معلومات لم تكن متاحة من قبل.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات