الجنرالين الكباشي والعطا .. صراع نفوذ أم تبادل أدوار؟

6 Min Read

إيهاب مادبو

قبل أيام، أدلى الفريق أول بتصريحات وصفتها العديد من المتابعين بأنها الحلقة الأخيرة من تمظهرات صراع الرجلين في الجيش السوداني، الكباشي والعطا، والذي بحسب المتابعين قد يحدث انقسامًا كبيرًا بالجيش نظرًا لأن الكباشي يسيطر على القوة البشرية وهي الكتلة الأقوى في حسم صراع الجنرالين.

بدأت بوادر الخلاف بين الجنرالين بعد خطاب ألقاه نائب قائد الجيش أمام حشد من قوات جيش تحرير السودان جناح مناوي، الخميس الماضي بمدينة القضارف، إذ تحدث عن ضرورة “ضبط المقاومة الشعبية”، وحذر من أنها يمكن أن تكون “الخطر القادم على السودان”، كما وجه قادة الوحدات العسكرية المختلفة بضرورة تقنين عملية توزيع الأسلحة، وألا يسمح بحمل السلاح لمن لا يتبعون للقوات المسلحة خارج معسكرات الجيش.

اعتبر العديد من المحللين هذا التصريح مؤشرًا قويًا على وجود صراع في قيادة الجيش حول الموقف من الحرب والسلام، خاصة مع تصريحات الكباشي التي تشير إلى توجه لوقف الحرب عبر التفاوض. ربطوا ذلك بأن الكباشي بعد خروجه من الحصار داخل القيادة العامة للجيش أعلن عودة فريقه إلى التفاوض في منبر جدة، بالإضافة إلى أنه توصل إلى مشروع اتفاق مع نائب قائد “قوات الدعم السريع” في العاصمة البحرينية المنامة، بوساطة رباعية سعودية أمريكية إماراتية مصرية.

وقبل أيام، بينما تشهد جنيف تفاوضًا غير مباشر بين وفدي الجيش والدعم السريع للوصول إلى هدنة إنسانية تسمح بانسياب المساعدات الإغاثية وحماية المدنيين، خرج العطا في خطاب بمنطقة أمدرمان قائلاً إنهم لن يهادنوا أو يتفاوضوا مع “قوات الدعم السريع” ولو حاربوا لمائة عام. هذا التصريح أثار إحباط السودانيين واعتبره محللون سياسيون أنه جاء بعد أن وصل الصراع بين الرجلين إلى ذروته وما عادت المسكنات تحتويه.

منذ تفجر الحرب في 15 أبريل، سيطرت قوات الدعم السريع على مساحات واسعة من السودان، واستولت على مناطق عسكرية استراتيجية في مختلف أنحاء البلاد، كان آخرها الاستيلاء على أجزاء من ولاية سنار في وسط البلاد، بما فيها مدينة سنجة عاصمة الولاية. في حين اقتصر وجود الجيش في عدد من ولايات البلاد داخل حامياته العسكرية التي تتعرض لهجمات مستمرة من الدعم السريع.

تجديد المنقار
وصف الأستاذ والخبير الإعلامي موسى جودة، مدير المركز السوداني للإعلام الديمقراطي، الصراع بأنه يعود إلى صراع بين مراكز قوى داخل الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية، نتيجة طبيعية للاختلاف في وجهات النظر حول إدارة البلاد فيما عرف بعملية “تجديد المنقار” والاستمرار بوجوه مدنية عسكرية جديدة. أثر هذا الخلاف في تماسك المركز السياسي والأمني داخل بنية النظام.

مضيفًا بأن الصراع داخل المؤسسة العسكرية والأمنية قديم منذ أيام البشير قبل 2019، حيث كان هناك تياران، تيار مجموعة نافع وآخرين، وتيار علي عثمان وآخرين حول من يخلف نظام الجنرال عمر البشير. نشط كل تيار لاستقطاب أنصار له داخل المؤسسة الأمنية بعد أن عجزوا عن بناء تنظيم مدني شعبي يقود البلاد عبر صندوق الانتخابات. والواقع يقول إنه امتداد لسلسلة الأطماع بين التيارات الأمنية والمدنية في العودة إلى السلطة، فيما عرف بـ”الانتقال المتحكم فيه” بعد تغيير ديسمبر 2019. عندما فشلوا في سيناريو الانتخابات المبكرة اتجهوا نحو خيار الحرب.

الواقع الآن
يقول جودة إن ما بعد حرب أبريل 2023 وحصار القيادات العسكرية داخل القواعد أصبحت قيادة الجيش أرخبيل من الجزر المعزولة. أصبحت إدارة الحرب مع قوات الدعم السريع تقديرات خاصة لكل قائد. حينها، ظهر الجنرال العطا قائد لمنطقة أم درمان العسكرية وحدد تاريخ إنهاء الحرب بالانتصار الكاسح على قوات الدعم السريع خلال “أسبوعين”. كما خرج الجنرال الكباشي من القيادة العامة “حسب علمي” بالاتفاق بين طرفي الحرب الجيش والدعم السريع بهدف الشروع في مفاوضات وقف إطلاق النار الشامل، ولكن الكباشي قام بزيارات للوحدات العسكرية يهاجم قوات الدعم السريع ويصفها بـ”المتمردة” ويتوعدها بالهزيمة الكاسحة. فيما يجري حوارًا سريًا في منبر الدوحة ويوقع على (22) بندًا لمعالجة أسباب الحرب ويتراجع عنها بعد هاتف من قيادته.

مصادر قوة الجنرالين
يرى مدير المركز السوداني للإعلام الديمقراطي أن الجنرال كباشي في “الأقدمية” العسكرية أعلى رتبة من العطا، ويتمتع بقوة تأكيد داخل الجيش. له ميزات منها قوة حضور إثنية الكباشي داخل الجيش، وهو خلل بنيوي لازم المؤسسة العسكرية. أما الجنرال العطا، فمصدر قوته اجتماع قرية جلاس شمال البلاد في العام الماضي 2023، الذي حدد استراتيجية الحرب وقيادة “علي كرتي” للمشهد العسكري والسياسي وإدارة الحرب على ثلاث مسارات:

المسار الأول: عدم الغياب من أي منبر تفاوضي وقبول أي مبادرة مع رفض التوقيع.
المسار الثاني: استجلاب طائرات درون من أذربيجان وتركيا وإيران لإحداث تفوق جوي في المعركة.
المسار الثالث: تجنيد عدد (150) ألف مستنفر لإحداث توازن في المشاة وبالتالي تحقيق نصر محدود على قوات الدعم السريع وإحداث انقسام داخلها ثم العودة إلى منبر جدة.

انقسام الجيش بات وشيكًا
يعتقد الباحث في الشؤون العسكرية محمود علي فضال أن ما يحدث داخل المؤسسة العسكرية هو صراع سيطرة ونفوذ، قد يقود إلى انقسام داخل الجيش لانعدام العقيدة العسكرية وغياب التراتبية بين القادة والجنود، الأمر الذي يفسره سقوط العديد من الحاميات والفرق العسكرية. هذا الخلل البنيوي صاحب مسيرة القوات المسلحة منذ تأسيسها، حيث فشل القادة العسكريون في تطوير المؤسسة لتبتعد عن ممارسة السياسة وتلتزم بحماية الدستور والنظام الديمقراطي. أضاف فضال أن العبث الذي أدخله الإسلاميون في المؤسسة العسكرية جعلها فاشلة في حماية البلاد من الأعداء، والحرب الحالية كشفت العيوب والخطط العسكرية التي يعاني منها الجيش رغم إمكانياته المادية والبشرية.

Share This Article