السبت, يوليو 27, 2024
الرئيسيةسياسةتجدّد الخلافات بين الكيزان (الإخوان)..

تجدّد الخلافات بين الكيزان (الإخوان)..

بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع وزيادة الضغوط على الجنرال عبدالفتاح البرهان، القائد العام للجيش، من قبل الثوار واصرارهم على إحضار قادة النظام السابق للعدالة من خلال وضعهم في السجون، قرر البرهان تجاوز الاتفاق الذي كان قد أُبرم مع البشير. وهذا الاتفاق كان يقضي بضمان سلامته وعدم تسليمه للمحاكمة، حتى أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وبناءً على ذلك، تم نقل البشير وقادة نظامه إلى سجن كوبر. ومع ذلك، أكد البرهان لهم أنهم لن يتعرضوا لأي ضرر وأن هذه الفترة ستكون مؤقتة حتى تتلاشى موجة الثورة. وبعد تبادل الآراء، وافق القادة السابقون على هذا الاتفاق.

تم تكليف علي كرتي بالمسؤولية لإدارة العلاقات مع البرهان، وكان من المقرر أن يكون الحفيان، الضابط السابق في جهاز الأمن، الوسيط بينهما. وسيكون الفريق عمر زين العابدين مساعدًا له في هذا الدور. لم يكن اختيار علي كرتي عبثيًا، فقد عمل بجد في مجال التنظيم العسكري منذ وقت مبكر، حيث كان مسؤولًا عن وحدة الدفاع الشعبي. بالإضافة إلى ذلك، قام بتجنيد واختراق الهياكل العسكرية والأمنية باستخدام ضباط من نفس منطقته والمناطق المجاورة له في ولاية نهر النيل. وهذة الخلفية يمكن أن تجعله وسيطًا بين ضباط الجيش والأمن والشرطة من جهة، وبين مليشيات الأمن الشعبي والدفاع الشعبي من جهة أخرى.

ومع ذلك، لم يكن علي كرتي، الذي كان يطمح لأن يرث حركتهم، مقيدًا بأوامر البشير والمجموعة المقربة منه التي تمسكت بالسلطة داخل السجن. فقد تعاون مع عبدالرحيم محمد حسين وأحمد هارون ونافع على نافع لتحقيق أهدافهم. بدلاً من الامتثال لأوامر السجن، قرر كرتي الاستمرار في الاحتفاظ بالمجموعة داخل السجن وبدأ التخطيط مع البرهان لتحقيق هدفهما المشترك في تحقيق السلطة. وقد قام بدور “الفأر” في رؤوس مجموعة السجن، وظهرت بينهم قناعة تدريجية بأن كرتي والبرهان يستغلان الوقت لتحقيق أجنداتهما الخاصة.

ثم بدأت جماعه السجن تتحرك بشكل مستقل عن كرتي والبرهان. قاموا بتنظيم مواكب “الزحف الأخضر” وبدأوا في التخطيط لتنفيذ انقلاب ضد جميع أشكال الانتقال السياسي، بدءًا من رئيس الوزراء حمدوك وصولًا إلى البرهان وكرتي. تم ذلك بالتزامن مع محاولات للتشكيك في كرتي واتهامه بالتواطؤ مع إسرائيل واستغلاله لموارد الحركة والتشكيك في شرعيته في شغل منصبه. بالمقابل، سعى كرتي إلى تعزيز موقفه من خلال الترويج للثقة فيه، من خلال الاعتماد على التعاون مع البرهان بهدف تدريجي للإسهام في إخماد ثورة ديسمبر.

بينما كانت الأغلبية من الكيزان في البداية تدعم خط كرتي، بدأت الثقة تتزعزع فيه بعد تنفيذ إجراءات لجنة تفكيك التمكين واسترداد الأموال المنهوبة. زاد الهمس ينتشر داخل وخارج السجن بأن كرتي وقوش يقودان الحركة نحو التخريب. كتب الشاعر الطيب (سيخة) قصيدة هجائية حادة استهجن فيها صلاح قوش، مدير المخابرات السابق، وصفه فيها بالخيانة، وأصبح يلويها بانتظام بعد كل صلاة مغرب على عبدالله حسين البشير. وفي هذا الوقت، فكرت جماعة السجن في تنفيذ انقلاب رغم اعتراض كرتي، ولكن تم التصدي لهذه المحاولة في وقت مبكر، وتم اعتقال عدد من كوادر حزب المؤتمر الوطني وضباط الجيش.

تصاعدت المواجهة بين المجموعتين بشكل سري، وتمكن كرتي في البداية من إضعاف عناصر جماعة السجن، أحيانًا من خلال اعتقالهم عبر الجهات الأمنية، وأحيانًا عن طريق الضغط على حزب المؤتمر الوطني المحلول لصالح الحركة الإسلامية وتيار المستقبل. قام كرتي بتكسير قوة عناصر جماعة السجن عبر هذه الطرق. تم اعتقال غندور وقصقص وتم تغييب إبراهيم محمود أيضًا.

من ناحية أخرى، حاولت المجموعة المتواجدة في تركيا بقيادة محمد عطا وبالتنسيق مع نافع على نافع تحقيق هدفها في السيطرة على مفاتيح القوى المالية والعسكرية من كرتي، ولكنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا في ذلك.

تمكن كرتي بسرعة من تحقيق تأثير هائل بين الكيزان بعد الأيام الأولى لانقلاب 25 أكتوبر. وذلك بشكل خاص بعد إصدار قرارات لجنة تفكيك التمكين والتي أدت إلى إعادة تعيين نحو ثلاثة آلاف موظف في المناصب الرئيسية في الحكومة والدولة. تم تحقيق هذا بالتنسيق بين كرتي والبرهان وكباشي وإبراهيم جابر، مما ساهم في تعزيز نفوذه وسط الكيزان بشكل كبير. صفت الأوضاع لكرتي إلى حد كبير، حيث قام بتصوير ذاته على أنه ناجح في مهمته وأنه يسعى للتوحيد بين المجموعات المتنوعة. ومع ذلك، أثيرت شكوك حول دوافعه الشخصية واحتمال وجود طموحات شخصية لديه. يدعي أنه يسعى إلى تحقيق توحيد هذه المجموعات المختلفة.

فعلاً، توحدت الكيزان في لقاء تنظيم الحركة، حيث حضره رؤساء الحركة الإسلامية في الولايات. في هذا اللقاء، تم التوافق على تعزيز الوحدة والعمل على تجاوز الخلافات ونسيان الماضي، مع بداية صفحة جديدة في مسيرتهم.

ومع ذلك، تلاشت سريعًا فرحة الكيزان بالانقلاب الذي جرى في 25 أكتوبر نتيجة للموقف الناشئ من قيادة الدعم السريع. رفضت قيادة الدعم السريع بشكل جذري استعادة هيمنة الكيزان مرة أخرى. قدم كرتي والبرهان مجموعة متنوعة من العروض لتقاسم السلطة في البيئة الانقلابية الجديدة، ولكن قيادة الدعم السريع، التي شعرت بتحسن موقفها في توازن القوى، رفضت بحزم محاولات تسييسها عبر منحها الجوائز الصغيرة.

بالإضافة إلى العزلة التي واجهها الانقلاب سواء على الصعيدين الشعبي والدولي، تعثرت محاولات قيادة الدعم السريع في تنفيذ الانقلاب لصالح الكيزان. رفضت قيادة الدعم السريع تعيين الكوز كرئيس للوزراء وأصرت على إعادة حمدوك إلى منصبه. فيما لاحظناه أن حميدتي خرج للإعلان علنًا عن خطأ الانقلاب وفشله. هذا كله ساهم في تأكيد اعتقاد الكيزان أن هناك طريقًا واحدًا فقط لإتمام الانقلاب وهو من خلال هزيمة وإضعاف قوى الدعم السريع في المقام الأول.

كانت واحدة من أكثر الأمور التي أثرت بشدة على الكيزان هو الحراك السياسي الذي انطلق بوثيقة نقابة المحامين وانتهى بالاتفاق الإطاري. هذا الحراك السياسي كان واضحًا في توجيهه نحو إعادة بناء النظام الديمقراطي وملاحقة المفسدين واسترداد الأموال المنهوبة، بالإضافة إلى محاكمة جماعة السجن بشكل عادل وحقيقي. هذا التوجه كان يشكل ضغطًا قويًا على الكيزان وتجعلهم يواجهون تحديات كبيرة في الحفاظ على السيطرة وتحقيق أهدافهم.

وفي هذه المرحلة، تمكن خط كرتي / البرهان من تحقيق هزيمة عملية بشكل واضح. ولكن، نجح عثمان في إقناع كرتي بالاستسلام لخطة جماعة السجن التي تهدف إلى شن حرب خاطفة لتدمير قوات الدعم السريع واستعادة السلطة بالكامل للكيزان. تم تهيئة الأجواء لتنفيذ هذه الخطة من خلال إعادة تنشيط هيئة العمليات بجهاز الأمن، وبناء شبكات رسمية مع عناصر الأمن الشعبي والدفاع الشعبي. كما تم تصعيد نشاط ما يُعرف بالتيار الإسلامي الواسع ضد رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس، بالإضافة إلى جولات الفريق كباشي في ولاية جنوب كردفان وتنفيذ هجمات واسعة النطاق على قوى الحرية والتغيير. تم تحديد الوقت المحدد لبدء التنفيذ في 15 إبريل، وذلك ضمن خطة مبنية على فكرة أن الحرب لن تستغرق أكثر من 6 ساعات. على الرغم من مشاركة قيادة التنظيم كباشي وياسر العطا في معظم تفاصيل الخطة، تم تضليل البرهان بأنه لن يكون هناك حرب فعلية، وإنما تهديدًا شديدًا سيكون له الأثر الكبير في دفع قيادة الدعم السريع للاستسلام دون أن تندلع حرب بشكل فعلي.

على الرغم من دور مجموعة كرتي في تصاعد الصراع وإشعال الحرب، إلا أن جماعه السجن لم تغفر لهم لمماطلتهم في إخراجهم من السجن وسلبهم المال والعمل الخاص. وبناءً على ذلك، سعت جماعه السجن بالتعاون مع كباشي بمجرد خروجهم من السجن إلى استعادة التنظيم بأكمله من قبضة كرتي.

وبهدف تأكيد الشرعية الجديدة، قامت جماعه السجن بتكليف أحمد هارون كممثل لها، وأصدر بيانًا باسمها. وبدأ هارون حملة طواف للحشد والتعبئة، بهدف توحيد الصفوف وجمع الدعم. ولإعطاء إشارة واضحة بثقتها لمجرم الحرب الهارب، قامت المجموعة بجولات تضمنت تواجد عثمان وعوض الجاز وإبراهيم محمود والفاتح عزالدين وغيرهم من القادة الكيزانيين المعروفين والمعتمدين.

ركزت جماعة السجن بشكل كبير على ضرورة عزل البرهان، إذ أدركوا أنه من الصعب التغلب على كرتي دون إقصاء حليفه البرهان. وقاموا بإرسال رسائل واضحة لكبار الضباط، ولا سيما للكباشي وياسر العطا، بأن الفوز في المعركة العسكرية والسياسية ضد الدعم السريع لا يمكن تحقيقه تحت قيادة البرهان.

كما ركزت جماعة السجن على استعادة التنظيم في المناطق التي تمتلك فيها مزايا أكبر بالمقارنة مع مجموعة كرتي. وقامت بتجديد ثقتها في إبراهيم محمود وقادة التنظيم في الشرق، وصرفت مبالغ مالية ضخمة لشراء وإعادة شراء بعض القيادات القبلية، مما ساهم في تمكينها من استخدام الشرق كمنصة لبدء العمليات. وفي المقابل، سعت الجماعة إلى حرمان مجموعة كرتي من الموارد المالية، حيث قامت باغتيال جمال زمقان الذي كان يحمل ملايين الدولارات وكان متحالفًا مع كرتي، وثمّنت التهمة إلى قوات الدعم السريع.

وبما أن وقف الحرب يعني بالنسبة لهذه الجماعة إعادتها مرة أخرى إلى السجن ومواجهة محاكمات قانونية، فقد ركزت في خطابها على أن هذه الحرب هي حرب ذات أهمية حيوية تستلزم تحقيق الانتصار الكامل فقط، في حين أن هذا الانتصار لا يبدو واقعيًا سوى في منصات التواصل الاجتماعي.

وبينما تسعى جماعة السجن جاهدةً للتخلص من كرتي والبرهان في وقت لاحق، فإنها تعمل أيضًا وبالتوازي من أجل تفتيت تحالفهما. فبشكل سري، تركز أعضاؤها على توجيه هجماتهم نحو البرهان، بينما تصرح قيادات مجموعة السجن مثل أحمد هارون وغيرهم بالتضامن مع الجيش. وبالإضافة إلى ذلك، يُخبرون البرهان بأن كرتي يتبع نفس سلوك الترابي مع البشير من خلال عدم احترامه له واتخاذ القرارات دون الرجوع إليه ودون مشاركته في الاستشارات.

المصدر: الراكوبه

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات