السبت, يوليو 27, 2024
الرئيسيةتقصي الحقائقالسودان: التجنيد الشبابي وارتباطاته بداعش والمنظمات الارهابية:

السودان: التجنيد الشبابي وارتباطاته بداعش والمنظمات الارهابية:

ما يزيد عن المائة يوم منذ اندلاع حرب الخامس عشر من إبريل، وما يزيد عن الثلالثين يوماً يوم منذ إعلان القائد العام للقوات المسلحة بقرار [الاستنفار العام] والذي دعى فيه جميع السودانيين ممن يقدرون على حمل السلاح إلى تسليم أنفسهم إلى أقرب وحدة عسكرية بغرض تدريبهم ومن ثم تطوعهم للانخراط في الحرب الدائرة.

تجربة الاستنفار العام ليست جديدة على البلاد، فقد حدثت إبان حرب الجنوب الشاملة التي قادها نظام الإنقاذ في ذروة تطرفه الاسلامي؛ حيث تم اختطاف الشباب من المرافق العامة واقتيادهم للقتال في الصفوف الأمامية ما أسفر عن مقتل معظهم. وأيضا، كانت هنالك معسكرات تجنيد طوعية —مثل الحال الآن— وهي التي مثلت رأس الرمح لتفريخ مقاتلين شباب تحت تأثير البوربغاندا اليمينية المتطرفة. المعسكرات التطوعية للتجنيد كانت، ولا زالت، تحوي على تدريبات قتالية مع مناهج إسلامية متطرفة تنظر للآخرين كأعداء يجب إبادتهم. في تسعينات القرن الماضي، لم تكن المنظمات الإرهابية الإسلامية مثل بوكو حرام وداعش موجودة. ولكن وجود شباب مقاتلين ذو خلفية متطرفة هو ما ساعد نظام الإنقاذ بمد الحركات الإسلامية الجهادية والإرهابية ، مثل حركة الشباب الاسلامي الصومالية وتنظيم القاعدة، بالمقاتلين المتطرفين. وقد بدت هذه النتائج جلية باستضافة السودان لأسامة بن لادن وغيره ما أسفر لاحقا عن تفجيرات المدمرة كول ودار السلام؛ واللتان تم إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب على خلفيتها وأسباب أخرى.

الآن، ومع وجود احتياطي جنود للجيش بما يفوق المائة ألف يجعل قرار فتح التجنيد الطوعي في محل شك؛ فلا حاجة للجيش بعد للمقاتلين أو الجنود، إذ لا تزال لديه قواعد عسكرية ضخمة داخل وخارج الخرطوم فيها جنود وضباط ذوو خبرة وتدريب أفضل. ليس هذا فقط، بل أيضا يظل السؤال الكبير حول مصير هؤلاء الشباب بعد نهاية هذه الحرب؟ بالأخص مع تجربتنا السابقة الممثالة والتي انتهى المطاف فيها بالشباب المقاتلين بالانضمام إلى المليشيات الإسلامية الموازية للجيش السوداني —مثل الدفاع الشعبي— والتي ارتكبت فظائع وجرائم حرب في حق السودانيين في دارفور ومناطق النيل الأزرق.

نسعى من خلال هذه الورقة لفتح باب النقاش وإلقاء الضوء على خطورة وتبعات قرار فتح التجنيد الطوعي؛ بالأخص مع مناهج الجهاد والاسلام المتطرف التي تصاحب دورات التدريب القصيرة هذه. يأتي التخوف من أن دورات التدريب القصيرة تنتج مقاتلين بأفكار متطرفة لا تقبلها مؤسسات الدولة السودانية، بل المنظمات والجهات الإسلامية المتطرفة —مثل داعش وغيرها— مما يجعلهم فريسة سهلة للانضمام إلى هذه الجهات وتحولهم إلى إرهابيين. النقاش سيكون عبر عرض تسلسلات تاريخية إبان فترة حرب الجنوب ومقارنتها بالأحداث الحالية.

المناقشة

لطالما، ولا زال، إرتباط الجيش السوداني بالمؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية أمرا لا ينكره عاقل منذ بداية تمرد الحركة الشعبية إبان حكم نميري؛ إذ سعت الحركة الاسلامية إلى اختراق الجيش عبر التعبئة الشعبية ضد التمرد وإنشاء منظمات مشبوهة لأجل توفير الدعم المالي واللوجستي مما زاد من وتيرة الحرب وأفشل أي محاولات لحلها عبر التفاوض والطرق السلمية. إبان انقلاب الحركة الاسلامية على الديموقراطية الثالثة عبر الجيش، لجأت الحركة إلى تكوين مليشيات عسكرية ذات توجهات اسلامية متطرفة ولا تخضع للتدريبات والضوابط الأخلاقية فيما يخص قوانين وأعراف الحروب موازية للجيش جل منسوبيها هم متطرفون اسلاميون ينظرون للحرب ضد الحركة الشعبية كحرب دينية تستوجب الجهاد مما عقد الوضع المجتمعي وأدى إلى تفكك الترابط الهش بين الجنوبيين وبقية السودانيين. هذا التفكك هو ما جلب طلب حق تقرير المصير على طاولة الحوار، ومن ثم تصويت ما يقارب كل الجنوبيين على الانفصال وتكوين دولة جنوب السودان.

تأتي خطورة التجنيد قصير المدى غير المصحوب بأساسيات قوانين وأعراف الحروب واستبدالها بمناهج إسلامية متطرفة، في أنها تمثل حل لأكبر عقبة لوجستية وأمنية تواجه التنظيمات الإرهابية في المنطقة؛ وهي صعوبة تدريب المقاتلين، حيث تسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تعزيز قوانين وسياسات محاربة الإرهاب والتضييق عليه. شهدت فترة التوقيع الأول بين قوى الحرية والتغيير—المجلس المركزي، الجيش، والدعم السريع تزايد في حدة التصريحات ذات البعد الأمني المقلق من رافضي هذا الاتفاق بالأخص من القيادات الاسلامية المتطرفة مثل اللواء أمن، ورئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول في ولاية الخرطوم أنس عمر ووكيل داعش بالسودان محمد على الجزولي وغيرهم. هذه التصريحات لم تتوقف على رفض الاتفاق الإطاري بل تعدته إلى الوعيد باللجوء إلى العنف والحرب إذا ما واصلت قيادة الجيش نحو التوقيع النهائي عليه.

وقد كان، إذ أن القيادات الإسلامية التي صرحت بالعنف والحرب كانت هي أوائل المصرحين بقرب انتصار الجيش وغيرها. ثم تواصلت التصريحات إلى أن وصلت إلى المناداة بقرار التعئبة العامة والاستنفار، وهو ما فتح باب الشكوك على مصراعيه بارتباط الاسلاميين ليس فقط بالجيش بل حتئ على مستوى القرارات الدستورية والسيادية؛ إذ أن مستجدات قرارات قيادة الجيش تخرج في شكل تسريبات وتصريحات من قبل قيادات اسلامية بارزة.

إبان حرب الجنوب والتطرف الشديد من نظام الانقاذ، عمد الاسلاميون إلى تكوين مليشيات موازية للجيش وأطلقوا عليها أسماء جهادية مثل —البراء بن مالك، وقد حاربت هذه المليشيات جنبا إلى جنب مع الجيش السوداني لكنها ظلت محتفظة بقياداتها المنفصلة والتي لا تخضع للجيش ولا ضوابط التدريب العسكري. هكذا إلى منتصف تسعينات القرن الماضي؛ حين نجح الجيش في تسجيل انتصارات سمحت له بالتمركز الجيد ضد الحركة الشعبية، مما جعل الحاجة إلى المليشيات الموازية أمرا من الماضي؛ وهنا بدأت بذرة تصدير الارهابيين. اعتمد نظام الإخوان المسلمين في السودان على الاقتصاد الموازي عبر البنوك الاسلامية التي تمول المنظمات الاسلامية الموازية. جل تمويل هذه المنظات ومنصرفاتها كان مقابل التدريب العسكري والتسليح؛ وبتكوين المليشيات الموازية تم رفع هذا العبء المالي من عاتق الإسلاميين ورمي التكلفة على الجيش وبالتالي ميزانية الدولة ككل.

بعد تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، عمدت الإنقاذ إلى تمويل نفسها عبر واجهتها الأكبر منظمة الدعوة الإسلامية؛ وهو ما أتاح المزيد من السيولة والتمويل لتكوين المنظمات والواجهات الإرهابية. بعد توفر السيولة، عمدت المليشيات الموازية إلى انتداب منسوبيها إلى منظمات ”الدعوة“ والتي هي مجرد واجهات لتغذية المقاتلين بمناهج التطرف والإرهاب، وبعد أقل من ثلاثة أعوام تم تفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول. كل هذا صار ممكناً بعد توفر السيولة للاسلاميين عبر المنظمات الموازية والسيطرة على الجيش.

ولا يخفى على طرف التقارير الأمنية المقلقة التي أكدت ارتباطات الجيش وقائده العام الحالي بتنظيم الدولة الاسلامية—داعش— وارتباطات داعش وتنظيماتها الفاعلة داخل السودان منذ سبعة أعوام. وهذه التقارير المقلقة أكدتها وكالة الأناضول التركية—وتركيا محسوبة كحليف وملاذ آمن للاسلاميين، وبالرغم من ذلك أكدت وأبدت امتعاضها من وجود عناصر داعش في السودان وسماح الجيش لهم بممارسة أنشطتهم الارهابية داخل البلاد عبر العمل الاقتصادي والاستثمار وقبيل ذلك كانت هنالك حملات تجنيد ممنهجة استهدفت طلبة الجامعات قبل عشر سنوات وصلت إلى اختراق الطلاب من حملة الجنسيات الأوروبية.

الآن، وبعد عدة عقود، أتت الفرصة مرة أخرى للاسلاميين؛ إذ توقفت وزارة المالية عن صرف رواتب ومستحقات جميع منسوبي الخدمة المدنية فيما تحولت هذه الأموال للقوات الأمنية وترتيبات الحرب. لطالما كان الاسلاميوين ضد التفاوض ومنبر جدة وأي مبادرة تدعو إلى وقف الحرب عبر الحلول السلمية؛ وهو أمر أتى على أهواء كبار القيادات العسكرية الموالين للاسلاميين. عليه، عند إعلان التجنيد الطوعي توفرت السيولة مرة أخرى للمنظمات المشبوهة والموازية المملوكة للاسلاميين وأول منتج ظهر للعامة هو إعادة كتيبة —البراء بن مالك— الجهادية المتطرفة للواجهة مرة أخرى يقودها شباب حديثو التجنيد، وتم ضم الوحدة تحت لواء العمل الخاص وهي وحدات/مليشيات تم استحداثها إبان هذه الحرب؛ مثلها مثل الدفاع الشعبي، وهي أيضاً لا تخضع إلا لأماور الضباط الموالين للحركة الاسلامية.

الآن، توجد عشرات معسكرات التجنيد الطوعي للشباب في أنحاء السودان بالأخص الأقاليم التي لم تصلها الحرب. بل ووصل الأمر إلى تجنيد الشابات والنساء وهو أمر له انعكاسات خطيرة على المجتمع لا نزال نعايش تبعاتها منذ تكوين نفس المعسكرات تحت مسمى —أخوات نسيبة— وهي ساهمت في تجنيد جهاديات متطرفات تم ضمهن لاحقا للخدمة المدنية مما أدى إلى تدهورها وانعكس على أداء الدولة ككل.

الآن، ومع احتمالات الوصول إلى حل سلمي عبر منبر جدة، تطل علينا أشباح الماضي المتطرف وهذه المرة بأفراد أكثر مع تعقيدات اقتصادية ومناهج متطرفة أكثر، مع وضع الاعتبار للتنظيمات الإهابية والمليشيات المتعددة في المنطقة؛ مثل داعش وبوكو حرام وغيرها. منذ عشرة أعوام وجميع دول السودان الحدودية عانت وبعضها لا زال يعاني من المليشيات التي طالما غذتها الحروب الداخلية السودانية بالأخص تلك في ليبيا وتشاد وجنوب السودان. عليه، ومع تزايد الأوضاع الأمنية الهشة في دول الجوار، فإن استمرار عمليات التجنيد الطوعي الحالية هي قنبلة موقوتة سرعان ما ستنفجر في السودان داخليا وخارجيا على امتداد شريط الصحراء الافريقية.

الخلاصة

الحلول العسكرية لن تفضي إلى نتيجة، تاريخنا الطويل من الحروب يؤكد ذلك، وكلما طال أمد الحرب كلما ازدادت رقعتها وتأثيرها الداخلي وعلى دول الجوار.

إن قرار التجنيد الطوعي والتدريب قصير الأمد من شأنه أن يعقد الوضع الحالي فيما يخص شدة الحرب، وأيضاً التداعيات على الحياة المدنية بعد توقف الحرب؛ حيث لن يكون لجزء غير يسير من هؤلاء المقاتلين مكان يذهبون عليه مما سيدفعهم نحو الانخراط في التنظيمات الأقرب إلى ما تم تدريبهم عليه؛ المنظمات الإرهابية.

التاريخ في السودان يكرر نفسه تواليا مع تبعات أسوأ بعد كل مرة. عليه، فإن إيقاف الحرب الحالية يجب أن يكون الأولوية القصوى للجميع.

لا منتصر في هذه الحرب مهما كان شكل نهايتها. والحركة الاسلامية يجب أن تواجه من قبل الجميع بحزم وتصدي أكبر ينعكس في شكل قنوانين دستورية وسياسات تمنع التقاطعات مع القوات المسلحة وتحظر المنطمات الموازية ومزيد من الرقابة على البنوك الاسلامية.

المصدر: يوروبوست

المادة السابقة
المقالة القادمة
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات