د. عبدالمجيد عبدالرحمن ابوماجدة
ما زال مضمار الحرب في السودان طويلاً وشاقاً ووعراً ولا حلول تلوح في الأفق المنظور لوقف هذه الحرب اللعينة والعبثية، كما يصفها الجنرال “الفاشل” البرهان بين الفينة والأخرى ويرددها كثيراً في كل تصريحاته، سواء في لقاءاته مع جيشه الفلولي “المهزوم” أو لقاءاته الصحفية والإعلامية أو مقابلاته مع مسؤولين داخل وخارج السودان.
فعلى الرغم من المبادرات وتعدد المنابر لحل قضية الحرب في السودان، إلا أن كل المحاولات والمبادرات قد باءت بالفشل، بدءاً بمنبر جدة ولقاء المنامة ومؤتمرات القاهرة ولقاءات إنجمينا. كما ظلت المبادرات والوساطات تبارح مكانها.
الأسبوع الماضي، وفي محاولة جادة من الأمم المتحدة وبحثها المستمر لإيجاد مخرج للأزمة الإنسانية في السودان بسبب هذه الحرب، سعت إلى فتح ممرات آمنة عبر طريق ثالث يجمع طرفي الصراع في السودان بغية الوصول لصيغة توافقية وتقريب وجهات النظر بين الطرفين. حتى تتمكن الأمم المتحدة عبر وفدها المتواجد حالياً في جنيف من إيجاد طريق آمن لتوصيل الإغاثة والمعونات إلى السودانيين المتضررين من هذه الحرب الكارثية التي استمرت حتى الآن لأكثر من “ستة عشر شهراً”.
فكانت أنظار السودانيين وقلوبهم متجهة صوب دولة سويسرا وعاصمتها الساحرة “جنيف”، منتظرين نتائج اللقاء الثلاثي بين “وفدي الجيش والدعم السريع والأمم المتحدة”. وهي مفاوضات غير مباشرة، إلا أن الجميع أصابتهم خيبة الأمل عندما علموا بانسحاب وفد الجيش من المفاوضات.
قبل هذا اللقاء، كانت هناك تصريحات مملوءة بالشجن والاستياء للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يقول فيها: “تابعنا بقلق بالغ وحزن شديد ما يدور في السودان من انتهاكات و فظائع بشكل ممنهج. والغريب في الأمر تعاون واستجابة قوات الدعم بشكل سلس ومستمر في كل النواحي الإنسانية معنا على الدوام وأيضا استعدادهم التام لوقف إطلاق النار بشكل دائم وإحلال السلام، رغم أنهم يسيطرون على معظم أراضي السودان. على النقيض من ذلك، فإن الجيش السوداني لم يبدِ أي تعاون مع المجتمع الدولي بخصوص إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في جميع أنحاء السودان، وظل يشكل عقبة كؤودة في إيصال المساعدات الإنسانية. كما ظل يتعنت ويرفض كل الفرص المتاحة للسلام على صعيد كل المنابر، وظل خطاب قادة الجيش عدائي بشكل صريح للمواطنين الأبرياء وحتى لدول الجوار”.
وأضاف: “لذلك عقدنا اجتماعاً تحضيرياً لإعلان جلسة محددة في يوم الثاني والعشرين من شهر يوليو الجاري لفرض حظر الطيران الحربي في السودان بعد رفض الجيش لإيصال المساعدات الإنسانية ورفضه كذلك كل مساعي السلام وإصراره على الحرب حتى وإن بلغ ذلك مائة عام. لذلك تيقن المجتمع الدولي بأن قادة الجيش السوداني لا يهتمون بأمر الشعب بل يخدمون أجندة تنظيم الإخوان المسلمين في السودان. كما أن مرحلة حظر الطيران الحربي ستليها مراحل أكثر غلظة وتحجيماً للجيش، وإن استدعى ذلك ضربه”.
إنّ هذه التصريحات القوية للأمين العام للأمم المتحدة توضح بجلاء أن المجتمع الدولي قد نفد صبره وتيقن علم اليقين بأن جنرالات الجيش وجماعة تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وكتائب البراء لا يهمهم أمر الشعب السوداني. وبالتالي، تأتي تصريحاتهم بأنهم مع الحرب وضد أي منبر حوار أو تفاوض مع قوات الدعم السريع التي نعتوها بعبارات كثيرة لا تليق بأن يتفوه بها أي شخص، ناهيك عن جنرالات يحملون من الأوسمة والنياشين ما تنوء بحملها الجبال الراسيات.
يبدو أن قيادة جيش الفلول وحركتهم الإسلامية الإرهابية لا يريدون أن يتم الاتفاق لإيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها من الشعب السوداني في مناطق الحرب “بدارفور الكبرى وكردفان وولاية النيل الأبيض والجزيرة وسنار وولاية الخرطوم بمدنها الثلاثة”. لذلك نجدهم يدعمون الحرب، على الرغم من أن قوات الدعم السريع تسيطر على مساحة “75%” من المساحة الكلية للدولة السودانية.
في تطور يصب في مصلحة الشعب السوداني، فقد توصلت الأمم المتحدة إلى عقد اتفاق مع قوات الدعم السريع بشأن إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب في أماكن سيطرة قوات الدعم السريع. وتقوم قوات الدعم السريع بتوفير الحماية الكافية للعاملين في الحقل الإنساني حتى يتم إيصال الإغاثة لمستحقيها.
إنّ وفد الأمم المتحدة، برئاسة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان رمضان العمامرة، ووفد قوات الدعم السريع “بجنيف” توصلا إلى اتفاق نهائي بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب بين الدعم السريع والجيش. يشمل الاتفاق إقامة مراكز في كل من “دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة”، على أن تلتزم قوات الدعم السريع بحماية القوافل والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية.
نص الاتفاق في بنوده على فتح المعابر الحدودية لمرور المساعدات الإنسانية بكل من معبر “أدري بتشاد وأم دخن وفوربرنقا بغرب السودان وأويل وبحر الغزال بدولة جنوب السودان”.
الآن، وبصورة جادة، تفكر الأمم المتحدة في تأسيس مركز للأمم المتحدة “بزالنجي” وذلك من أجل توزيع المساعدات الإنسانية حسب التصورات والاتفاقات الفنية بين الدعم السريع والمنظمات الإنسانية والدولية العاملة في المجال الإنساني.
إنّ هذا الاتفاق يعتبر حجر الزاوية وأساساً متيناً بين الأمم المتحدة وقوات الدعم السريع، كما يشكل بوضوح اتجاهاً جديداً واعترافاً ضمنياً من الأمم المتحدة وكل العالم بشرعية وسودنة قوات الدعم السريع التي تنادي بوقف الحرب وتعمل من أجل التغيير والتصحيح لتأسيس حكم مدني حر وديمقراطي بعيداً عن العسكريين الذين سيطروا على مفاصل الدولة السودانية وذرعوا بين مكوناتها العنصرية والقبلية الصارخة، حتى على مستوى الأوراق الرسمية والتقديم والالتحاق بالوظائف العامة في الدولة السودانية.
تلك الحقبة السوداء والفاشية التي عاش فيها الشعب السوداني أسوأ أيام حياته من القهر والذل والإهانة والعنصرية والجهوية والقبلية والمناطقية.
إنّ قوات الدعم السريع، على الرغم من تقدمها في الميدان العملياتي وفي كل المحاور، إلاّ أنها دائماً تبادر ولديها زمام المبادرة لإيجاد حلول للحرب الدائرة اليوم بالسودان.
فقد أفلح وفد قوات الدعم السريع المفاوض “بجنيف” وأبلى بلاء حسناً للتفاوض المباشر مع وفد الأمم المتحدة برئاسة رمضان العمامرة، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، في جلسة مباحثات مهمة للغاية. إنّ هذه المفاوضات الثنائية اُختتمت يوم التاسع عشر من شهر يوليو 2024م بمدينة “جنيف” السويسرية، وهي مباحثات ثنائية بين الطرفين، وقد جرت المباحثات في جو إيجابي سادتها مناقشات بناءة ومثمرة وجادة تسهم في تعزيز التعاون المشترك بين الأمم المتحدة وقوات الدعم السريع لفائدة ومصلحة الشعب السوداني.
ففي ختام المباحثات بين الطرفين، سلم وفد قوات الدعم السريع السيد رمضان العمامرة خطاباً رسمياً موجهاً من الفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، موجه للأمين العام للأمم المتحدة، يوافق فيه بما تم التوصل إليه خلال المباحثات، ويتضمن التزامات قوات الدعم السريع بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية، والالتزامات بتعزيز حماية المدنيين، إلى جانب العديد من المطالب العاجلة والملحة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الذي سيكون له جلسة مغلقة بشأن الحرب في السودان في الثاني والعشرين من شهر يوليو الجاري 2024م.
على قوات الدعم السريع تأمين القوافل الإنسانية والعاملين الدوليين والعاملين المحليين في جميع مناطق سيطرة قوات الدعم السريع بالولايات المختلفة. كما ينبغي لمؤسسات الدعم السريع المدنية القيام بواجباتها كاملاً في تذليل كافة العقبات والتحديات حتى تنساب الإغاثة بصورة سلسة ومرتبة وتصل إلى مستحقيها بصورة عاجلة حتى يُخفف عن المواطنين السودانيين الذين هم الآن في أمس الحاجة لانسياب وتدفق الإغاثة والمساعدات الإنسانية بالصورة المطلوبة.