من المعروف أن استقلال الهند وباكستان جاء بقرار من البرلمان البريطاني في أغسطس 1947، وهو نفس التاريخ الذي يُنتظر فيه تدشين منبر جنيف الخاص بوقف إطلاق النار بين قوات الدعم السريع والجيش. كان كيان شبه القارة الهندية يضم الدول الثلاث: الهند وباكستان وبنغلاديش. وقد عمل الزعيمان المؤسسان، غاندي ومحمد علي جناح، بتنسيق تام تحت مظلة الدولة الواحدة قبل الاستقلال، إلا أن جناح اتجه نحو تأسيس الجمهورية الإسلامية التي تمثل آمال مسلمي الهند آنذاك، بينما اختار غاندي أن تكون الهند دولة علمانية تضم جميع الأديان.
في عام 1971، وقع زلزال سياسي أدى إلى انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش) عن باكستان، وهو انقسام كان له دور كبير فيه التباين بين العلمانية والدين. بينما استمرت الهند كدولة فدرالية ديمقراطية تضم مختلف الأديان والأعراق، وأصبحت اليوم خامس أكبر اقتصاد في العالم، مزدهرة في التجارة والتقنية.
في المقابل، تعاني باكستان من الإرهاب والتطرف، وتعد بيئة خصبة لاحتضان الجماعات المتطرفة، مع تزايد الجرائم والانتحاريات. يعتقد الكثير من المسلمين المعتدلين الذين اختاروا البقاء في باكستان أنهم كانوا سيحققون أفضل لو بقوا في الهند.
بلغ النمو الاقتصادي للهند 8.4% في السنة الماضية، وهو معدل متقدم مقارنة بالدول الكبرى في مجموعة “بريكست”. يُظهر التاريخ الهندي (العلماني) كيف أن الأنظمة الراديكالية تؤدي إلى التخلف الاقتصادي، حيث يضر الانزواء في الأنظمة الدينية بالنمو الاقتصادي.
تظهر تجاربنا في الخليج أن الباكستانيين يكنون احتراماً كبيراً لأشقائهم السودانيين، لكن الحكومتين الدينيتين في إسلام أباد والخرطوم لم تستطع ترجمة هذا الاحترام اقتصادياً. وقد يشير هذا إلى أن العاطفة الدينية لا تعزز التقدم الاقتصادي.
قد يكون الجنوبيون اليوم في وضع أفضل لو أنهم انفصلوا مبكراً، دون الحاجة إلى سنوات من النزاع حول الوحدة. يعكس هذا كيف يمكن أن يكون النهج العلماني حلاً أفضل لتحسين مستوى المعيشة والتقدم.
العبرة من هذه المقالة هي تحذير السودانيين من مغبة مهادنة الجماعات الدينية التي تتخذ من الدين وسيلة للوصول إلى السلطة. كما أسهم مشروع المؤتمر الوطني في فصل جنوب السودان، فإن التهاون مع أي طرح ديني وصولي قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات. ويبدو أن الأقاليم مثل جبال النوبة وجبل مرة هي أكثر المناطق المعرضة للنأي بنفسها عن الحكم الإسلاموي. إذا لم ينهض السودانيون من غفوة المتاجرة بالدين، فسوف يظلون عالقين في التخلف الاقتصادي وتحت تأثير فتاوى ضارة.
لذا، يجب على من يسعى لخير شعبه أن يدعو إلى السلام والتسامح الديني ويعلم الأجيال القادمة كيفية التخلص من منهج الفتاوى المتطرفة والكتب الصفراء التي ما زالت تؤثر على التعليم.
اسماعيل عبدالله