انهيار تاريخي للجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية: السوق الموازي يفرض واقعه

شهدت الأسواق المالية في السودان اليوم الأحد، 19 أكتوبر 2025، تدهورًا غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، إذ تراوح سعر الدولار في السوق الموازي بين 3550 و3700 جنيهًا، مقارنةً بـ 560 جنيهًا فقط قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023، أي بزيادة تفوق 560% خلال 30 شهرًا.
ويرى محللون اقتصاديون أن هذا الانهيار يعكس أزمة ثقة شاملة في النظام النقدي والمالي للبلاد، في ظل غياب سياسات نقدية واضحة وانهيار البنية المصرفية.

رغم أن الأسعار بدت مستقرة نسبيًا، فإن التفاوت بين المدن السودانية ظل واضحًا. فقد سُجّل الدولار بين 3500 و3660 جنيهًا، والريال السعودي بين 933 و976 جنيهًا، والدرهم الإماراتي بين 953 و997 جنيهًا، بينما بلغ الجنيه المصري بين 73.88 و77.26 جنيهًا.
هذا التفاوت يعكس تفكك النظام المصرفي الرسمي، حيث تعتمد المدن على تحويلات المغتربين والسيولة المحلية، ما جعل السوق الموازي هو المحرك الرئيسي لتحديد الأسعار.

سجلت العملات الخليجية مستويات قياسية جديدة مدفوعة بزيادة التحويلات من المغتربين في الإمارات والسعودية وقطر، الذين أصبحوا المصدر الأساسي للنقد الأجنبي في ظل تراجع الصادرات والاستثمارات.
أما العملات الأوروبية، فقد ارتفع اليورو إلى ما بين 4127 و4302 جنيهًا، والجنيه الإسترليني إلى ما بين 4733 و4933 جنيهًا، ما يعكس لجوء الأفراد والشركات إلى هذه العملات للتحوط من التضخم وفقدان الثقة في الجنيه المحلي.

وفقًا لتقرير، أصبح السودان فعليًا خارج النظام المالي الدولي بعد توقف البنك المركزي عن إصدار بيانات رسمية منذ منتصف 2023، واعتماده بنسبة تفوق 90% على السوق الموازي في تداول العملات.
ويُعتبر هذا الوضع سابقة خطيرة في تاريخ الدول غير الخاضعة للعقوبات الرسمية، ما جعل السودان معزولًا ماليًا عن العالم.

في تحليل مشترك أعدته Reuters بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي (WFP)، تم الربط بين تدهور العملة المحلية وارتفاع معدلات الجوع في مناطق النزاع، خصوصًا في شمال دارفور.
فقد أدى انهيار الجنيه إلى تضاعف أسعار السلع الأساسية، ما جعلها خارج متناول غالبية السكان، لتتحول الأزمة المالية إلى أزمة إنسانية تهدد ملايين الأرواح.

سجّل الدينار الكويتي اليوم بين 11,290 و11,806 جنيهًا، والريال العماني بين 9200 و9600 جنيهًا، ما يعكس انهيار القوة الشرائية للجنيه السوداني.
وباتت هذه العملات ذات القيمة العالية تُستخدم في معاملات كبرى مثل شراء العقارات والسيارات، بعد أن فقد الجنيه دوره كوسيلة أساسية للتداول.

بحسب تقرير CNBC Global Outlook، يحتاج السودان إلى “إعادة هيكلة شاملة للنظام المالي” تشمل إنشاء آلية مركزية للتحويلات الخارجية، وربط العملة المحلية بسلة من العملات أو بالذهب، إضافة إلى الحصول على دعم دولي مشروط بإصلاحات اقتصادية وسياسية.
وحتى تحقق هذه الخطوات، يظل السوق الموازي هو المؤشر الحقيقي لحالة الاقتصاد السوداني، بما يحمله من تقلبات ومخاطر وانعدام يقين.

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني – الأحد 19 أكتوبر 2025