في خطوة طال انتظارها، استعادت مدينة دنقلا، حاضرة الولاية الشمالية، والقرى الواقعة شمالها، التيار الكهربائي بعد انقطاع استمر لعدة أسابيع، خلّف وراءه موجة من المعاناة اليومية لسكان المنطقة، وسط ظروف أمنية متقلبة وانهيار في الخدمات الأساسية.
شهدت المدينة خلال الأسابيع الماضية توقفاً شبه كامل في معظم جوانب الحياة، نتيجة غياب الكهرباء، ما تسبب في تعطل مرافق حيوية من بينها المستشفيات، محطات المياه، المدارس، والمحال التجارية، كما واجه السكان صعوبات في حفظ الأغذية والدواء، وارتفعت درجات الحرارة الداخلية مع انعدام وسائل التبريد، مما زاد من حدة المعاناة، خاصة لكبار السن والمرضى، الانقطاع الكهربائي لم يكن مجرد خلل فني، بل جاء نتيجة أضرار جسيمة لحقت بمحطة كهرباء سد مروي، وهي إحدى المحطات الرئيسية التي تغذي شمال السودان، الهجوم الذي استهدف المنشأة شكّل ضربة قوية للبنية التحتية، وسط عجز حكومي واضح عن تأمين المنشآت الحيوية أو توفير بدائل سريعة.
مع بدء عودة التيار الكهربائي تدريجياً، تنفس المواطنون الصعداء، وبدأت مظاهر الحياة تعود ببطء إلى المدينة، تشغيل محطات المياه، وعودة النشاط النسبي للمراكز الصحية، وانخفاض الاعتماد على المولدات، كانت من أبرز المؤشرات التي عكست التحول الإيجابي خلال الأيام الماضية، إلا أن هذه العودة لا تزال محاطة بالحذر، إذ يخشى المواطنون من انتكاسات جديدة، في ظل عدم وجود خطط معلنة لصيانة شاملة أو منظومة طوارئ قادرة على التصدي لأي اعتداءات مستقبلية على الشبكة القومية.
عودة الكهرباء إلى دنقلا لا تمثل فقط عودة خدمة، بل هي بمثابة بصيص أمل في مشهد سوداني قاتم، حيث ما تزال الحرب تفتك بالمدن الكبرى، وتُقوّض مقومات الحياة في الأقاليم المختلفة، فمع استمرار الأزمة السياسية والنزاع العسكري، أضحت البنية التحتية هدفاً مباشراً، والخدمات العامة ضحية صامتة لحرب لا تميز بين جبهة ومرفق حيوي.
وسط هذه الأوضاع، يبقى المواطن السوداني الحلقة الأضعف، يدفع فاتورة الحرب مرتين: مرة حين يفقد الكهرباء والماء والغذاء، ومرة حين يُطلب منه التكيّف دون حلول واقعية، ومع ذلك، فإن مشهد عودة التيار، ولو مؤقتاً، أعاد شيئاً من الأمل لأهالي دنقلا، وأحيا رغبة في أن يكون ذلك بداية لاستقرار حقيقي، لا مجرد فترة تنفس قصيرة في نفق طويل من الأزمات.