يشهد حزب المؤتمر الوطني السوداني، الذي حكم البلاد لمدة ثلاثة عقود تحت قيادة عمر البشير، صراعاً داخلياً جديداً يهدد بتقسيمه بشكل أكبر في خضم المشهد السياسي المعقد بالسودان. انحصر الصراع الحالي بين جناحين رئيسيين: مجموعة السجناء السياسيين بقيادة أحمد هارون، ومجموعة تركيا بقيادة إبراهيم محمود. يعكس هذا الخلاف تنافساً متزايداً على النفوذ والشرعية وسط استمرار دعم كلا الطرفين للجيش في صراعه ضد قوات الدعم السريع.
الخلفية التاريخية: إرث من الانقسامات
منذ تأسيسه، شهد المؤتمر الوطني انشقاقات عدة. كان أبرزها “المفاصلة” عام 1999 بين جناحي عمر البشير وحسن الترابي، والتي أضعفت وحدة الحزب. وبعد الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، وُضع الحزب تحت ضغط هائل، حيث زُج بقياداته في السجون وصودرت أمواله، وتم حله بقرار من الحكومة الانتقالية.
ملامح الصراع الراهن
1. الأطراف المتنازعة
مجموعة السجناء السياسيين:
تضم قيادات بارزة أبرزها أحمد هارون (رئيس مكلف من البشير قبل سقوطه)، وعلي أحمد كرتي، بالإضافة إلى عمر البشير نفسه. وتتمسك هذه المجموعة بعقد اجتماع لمجلس الشورى، معتبرةً أنه الحل لاستعادة شرعية الحزب وترتيب أوضاعه.
مجموعة تركيا:
يقودها إبراهيم محمود، الذي كلفه مجلس الشورى برئاسة الحزب. وتضم قيادات مثل نافع علي نافع والحاج آدم، وتُعرف بعلاقتها الوطيدة بالدول الإقليمية، لا سيما تركيا. حيث ترفض انعقاد مجلس الشورى، متعللة بأن الظرف الحالي لا يسمح بذلك، وتتهم الطرف الآخر بمحاولة شق صف الحزب.
2. الاتهامات المتبادلة
تتهم مجموعة تركيا خصومها بالتورط في المؤامرات التي أدت إلى سقوط حكم المؤتمر الوطني عام 2019. ومن جهة أخرى، تتهم مجموعة السجناء السياسيين القيادة الحالية للحزب بالتقصير في مواجهة التحديات، وخاصة في دعم الجيش بشكل فعال.
3. قضية الشرعية
زعمت مجموعة أحمد هارون أنها الممثل الحقيقي للحزب بحكم الشرعية التاريخية التي أضفاها عليها البشير قبل سقوطه. بينما ترى مجموعة إبراهيم محمود أن وجودها في الخارج يمنحها استقلالية وقدرة على إعادة بناء الحزب.
تداعيات الصراع
الانقسامات تهدد وحدة الحزب في وقت يحتاج فيه إلى التماسك لإعادة بناء مكانته السياسية. حيث يُنظر إلى المؤتمر الوطني كأحد أبرز العقبات أمام جهود تحقيق سلام شامل بالسودان. إذ يتهمه كثيرون بالسعي لاستعادة السلطة من خلال التحالف مع الجيش.
يُعتقد أن ارتباط مجموعة إبراهيم محمود بتركيا قد يكون عاملاً يزيد من التعقيد، خاصة أن العلاقات بين الخرطوم وأنقرة كانت متوترة في بعض الأحيان.
تحليل السياق الراهن
هل يمكن أن يعود المؤتمر الوطني إلى الواجهة؟
من الصعب أن يستعيد الحزب مكانته السابقة في ظل الانقسامات الداخلية والعزلة الشعبية بعد سقوطه. ومع ذلك، استمرار الحزب في دعم الجيش يمنحه دوراً غير مباشر في النزاع الحالي. وقد يؤدي استمرار الخلاف إلى انشقاق الحزب إلى كيانات أصغر، مما يُضعف تأثيره على الساحة السياسية.
في المقابل، قد تستمر محاولات الوساطة الداخلية والخارجية لتوحيد الحزب كجزء من جهود تحقيق الاستقرار في السودان.
ختاماً
إن الصراع داخل حزب المؤتمر الوطني ليس مجرد خلاف سياسي، بل يعكس أزمة هوية تعيشها الأحزاب السودانية في مرحلة ما بعد الثورة. في ظل الظروف الراهنة، يبدو أن قدرة الحزب على إعادة التموضع تعتمد على مدى نجاحه في تجاوز خلافاته الداخلية وإعادة بناء علاقته مع الشارع السوداني والمكونات السياسية الأخرى.