تشهد الأزمة السودانية اهتماماً دولياً متزايداً في ظل استمرار القتال والمعاناة الإنسانية، حيث جددت السعودية دعوتها لإنهاء النزاع بين الأطراف السودانية المتنازعة. وشددت المملكة على أن الطريق لحل الأزمة يبدأ بوقف القتال، وتحسين الاستجابة الإنسانية للشعب السوداني، وتفعيل “إعلان جدة”، وهو الاتفاق الذي تم توقيعه سابقاً بين طرفي النزاع برعاية سعودية. وخلال الاجتماع التشاوري الثالث للمنظمات الدولية الراعية لمبادرات السلام في السودان، الذي انعقد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، ألقى نائب وزير الخارجية السعودي، المهندس وليد الخريجي، كلمة أكد فيها على الجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة في إطار تسوية الأزمة السودانية.
وأشار الخريجي إلى أن السعودية أطلقت سلسلة من المبادرات منذ بدء الأزمة، حيث استضافت مباحثات “جدة 1″، التي أثمرت عن توقيع “إعلان جدة” المتضمن الالتزام بحماية المدنيين في السودان، بالإضافة إلى اتفاق قصير الأمد لوقف إطلاق النار. كما عُقدت مباحثات “جدة 2” بهدف البحث عن حل سياسي شامل يحفظ أمن السودان، واستقراره، ووحدة مؤسساته الوطنية.
وجدد نائب وزير الخارجية السعودي دعوته للأطراف السودانية إلى الالتزام بما تم الاتفاق عليه في إعلان جدة، مؤكداً أن المملكة ترحب بالجهود الدولية المبذولة لحل الأزمة. وأشاد بقرار القوات المسلحة السودانية فتح المعابر الحدودية والمطارات لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وهي خطوات يُنظر إليها على أنها محورية لرفع المعاناة عن الشعب السوداني.
اجتماع دولي لتنسيق الجهود
الاجتماع التشاوري، الذي عُقد الأربعاء في نواكشوط، جاء بمشاركة واسعة من المنظمات والدول الراعية لمبادرات السلام في السودان، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجيبوتي بصفتها رئيسة منظمة “إيغاد”، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، إلى جانب المملكة العربية السعودية، مصر، والولايات المتحدة.
استمر الاجتماع المغلق لأكثر من أربع ساعات، وخلص في بيانه الختامي إلى التأكيد على دعم نهج موحد لتنسيق الجهود الدولية، وتعزيز التكامل بين المبادرات المختلفة لضمان تحقيق السلام في السودان. كما تم الاتفاق على أسلوب عمل الفريق الفني التابع للمجموعة الاستشارية بهدف تبادل المعلومات وضمان تنسيق الجهود بفعالية.
جهود لتعزيز التنسيق الدولي
وزير خارجية موريتانيا، محمد سالم ولد مرزوك، الذي ترأس الاجتماع، شدد على أهمية تعزيز آليات التنسيق الدولي، مشيراً إلى أن توحيد الجهود ضروري لتحقيق السلام والاستقرار في السودان. وأضاف أن الاجتماع يهدف إلى التقدم بخطوات عملية وملموسة تضع أسساً صلبة لحل الأزمة، مع ضمان إشراك جميع الأطراف السودانية الفاعلة في عملية السلام.
وقال ولد مرزوك إن السودان يمر بأزمة إنسانية هي الأكثر إلحاحاً في تاريخه الحديث، ما يتطلب استجابة فورية وشاملة تركز على تقديم المساعدات الإنسانية، وضمان وصولها إلى جميع المناطق المتضررة. ودعا إلى وضع خطط عملية لإعادة إعمار السودان وتنشيط اقتصاده، مؤكداً على أهمية تنسيق الجهود الدولية لتجنب ازدواجية المبادرات وضمان التكامل.
سفير جيبوتي لدى السودان، عيسى خيري روبله، الذي ترأس الاجتماع التشاوري السابق في يوليو الماضي، وصف المرحلة التي يمر بها السودان بأنها دقيقة وحساسة، مشيراً إلى أن الصراع المسلح المستمر منذ ما يقارب عامين قد ألحق ضرراً بالغاً بالبلاد.وأوضح أن اجتماع جيبوتي السابق أسفر عن إعلان يطالب بوقف فوري للأعمال العدائية، وتحقيق وقف مستدام لإطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف السودانية، فضلاً عن الاستجابة الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين.
شدد المشاركون في الاجتماع على المبادئ الأساسية، بما في ذلك المحافظة على وحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادته. كما أكدوا على أهمية تحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار كخطوة أساسية لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، وإطلاق عملية سياسية شاملة تدفع نحو الحكم الرشيد والسلم المجتمعي. وأبرز المشاركون أهمية تكامل الجهود بين الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة “إيغاد”، والأمم المتحدة، ودول جوار السودان، والدول الشريكة، لتقديم رؤية متكاملة تلبي تطلعات الشعب السوداني نحو السلام والتنمية.
الأزمة السودانية ليست فقط صراعاً عسكرياً وسياسياً، بل هي أزمة إنسانية حادة، حيث يعاني المدنيون من نقص الخدمات الأساسية والاحتياجات الضرورية. وأكد الاجتماع على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، مع وضع خطط طويلة الأمد لإعادة بناء الاقتصاد السوداني وتنشيطه، بما يضمن تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
الاجتماع التشاوري في نواكشوط يمثل خطوة أخرى ضمن سلسلة من اللقاءات التي تهدف إلى توحيد الجهود الدولية لحل الأزمة السودانية. ويأتي هذا الاجتماع استكمالاً لاجتماعين سابقين عُقدا في القاهرة وجيبوتي، حيث أكد المشاركون التزامهم بدعم السودان وشعبه في مساره نحو السلام والاستقرار.وفي ظل التحديات الحالية، يظل تحقيق وقف إطلاق النار المستدام، وتعزيز الجهود الإنسانية، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف، هي الأولويات الأساسية للمجتمع الدولي في التعامل مع الأزمة السودانية.