أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، حكمًا بإدانة علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم علي كوشيب، بعد توجيه 27 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في إقليم دارفور بين أغسطس 2003 وأبريل 2004، في واحدة من أبرز القضايا المرتبطة بالنزاع السوداني منذ إحالة الملف إلى المحكمة عام 2005.
وأكدت الدائرة الابتدائية الأولى أن كوشيب ارتكب هذه الجرائم “بما لا يدع مجالاً للشك”، موضحة أن الانتهاكات شملت القتل والتعذيب والاضطهاد والتهجير القسري والاعتداء على الكرامة الإنسانية ونهب الممتلكات. وأشارت المحكمة إلى أن بعض الجرائم نُفذت بشكل مباشر من قبله، بينما صدرت أوامر بتنفيذ أخرى عبر قوات ووحدات تابعة للحكومة السودانية خلال الهجمات على مناطق مكجار، ديليج، كودوم، وبنديسي.
أوضحت المحكمة أن الأدلة أثبتت تورط كوشيب في عمليات استهدفت ما لا يقل عن 200 شخص من الأسرى والمعتقلين الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة، مؤكدة أن بعض التهم الإضافية أُدرجت ضمن التهم الرئيسية المثبتة ضده.
وأضافت المحكمة أن الحكم الصادر يمثل مرحلة الإدانة فقط، بينما ستُعقد جلسة لاحقة لتحديد العقوبة النهائية، إضافة إلى مرحلة قانونية مخصصة لـ جبر الضرر للضحايا في إطار ما وصفته بـ”العدالة التصالحية”.
ترأست هيئة المحكمة القاضية جوانا كورنر، وشاركتها القاضيتان رين ألابيني غانسو وألثيا فيوليت أليكسيس وندسور. وافتتحت المحاكمة في 5 أبريل 2022، فيما جرت المرافعات الختامية في ديسمبر 2024.
وخلال جلسات المحاكمة، استمعت المحكمة إلى 74 شاهدًا، من بينهم 54 من الادعاء و17 من الدفاع، إلى جانب شاهدين من الدائرة القضائية وشاهد واحد مثّل الضحايا عبر ممثليهم القانونيين. كما تم اعتماد 1861 مادة كأدلة رسمية، وسمحت المحكمة لـ 1591 من الضحايا بالمشاركة في الإجراءات القانونية من خلال فريق موحد من المحامين.
تُعد إدانة علي كوشيب أول حكم من نوعه في قضايا دارفور منذ بدء اختصاص المحكمة في الملف عام 2005، ما يمنحها أهمية قانونية وتاريخية خاصة. ويُعتبر كوشيب من أبرز القادة المتهمين بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق أثناء النزاع، إلى جانب عدد من المسؤولين في النظام السابق، من بينهم الرئيس المعزول عمر البشير وأحمد هارون.
كان كوشيب قد سلّم نفسه طوعاً للمحكمة في يونيو 2020 بجمهورية أفريقيا الوسطى، لتبدأ بعد ذلك أولى جلساته في الخامس عشر من الشهر ذاته. واعتُبر هذا التسليم نقطة تحول في القضية، حيث أتاح للمحكمة المضي في إجراءاتها القضائية حتى صدور الحكم بالإدانة بعد محاكمة استمرت ثلاث سنوات.
ومن المقرر أن تُعقد الجلسة المقبلة للنظر في العقوبة النهائية وآليات تعويض الضحايا، في خطوة تمثل تتويجًا لمسار قضائي طويل يهدف إلى تحقيق العدالة والمساءلة الدولية عن الجرائم التي ارتُكبت في إقليم دارفور خلال النزاع المسلح.