شهدت أسعار العملات الأجنبية في السودان اليوم الخميس تراجعاً جديداً للجنيه السوداني، حيث سجّل الدولار الأمريكي مستوى قياسياً في السوق الموازي بلغ نحو 3613 جنيهاً للبيع، مقابل 3550 جنيهاً للشراء. ويأتي هذا التراجع وسط استمرار الحرب الداخلية وتراجع الثقة في المؤسسات المالية الرسمية، ما جعل السوق غير الرسمي المرجع الرئيسي لتحديد أسعار الصرف.
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، فقد الجنيه السوداني أكثر من 545% من قيمته، إذ كان سعر الدولار حينها 560 جنيهاً، ليصل اليوم إلى أكثر من ستة أضعاف ذلك الرقم. ويرى خبراء أن هذا الانهيار يعكس فقدان العملة الوطنية لوظيفتها النقدية كمخزن للقيمة ووسيلة للتبادل.
في تقرير أصدره البنك الدولي في سبتمبر الماضي بعنوان “تحديث اقتصادي السودان: رسم مسار التعافي”، أشار إلى أن السودان يقترب من ما وصفه بـ”اللاعودة النقدية”، مؤكداً أن العملة المحلية لم تعد تعكس أي قيمة اقتصادية حقيقية. وأوضح التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 42% منذ 2022، بينما تجاوز التضخم 170%. كما توقعت تقارير أخرى أن الجنيه السوداني قد يفقد دوره بالكامل مع مطلع 2026 إذا استمرت الحرب دون حلول سياسية واقتصادية.
أسعار العملات في السوق الموازي سجلت مستويات قياسية؛ فقد بلغ الريال السعودي 963 جنيهاً، والدرهم الإماراتي 984 جنيهاً، بينما تجاوز اليورو 4250 جنيهاً، واقترب الجنيه الإسترليني من 4900 جنيه. أما الجنيه المصري فقد ارتفع إلى نحو 75 جنيهاً.
وفي المقابل، تظل أسعار البنوك التجارية بعيدة عن هذه المستويات، إذ لا تزال العديد منها تستخدم أسعاراً لم يتم تحديثها منذ أبريل 2023، ما يعكس حالة الانفصال بين السوق الرسمي وغير الرسمي.
يرى مراقبون أن هذا الوضع يعكس هشاشة البنية النقدية وتفكك النظام المصرفي، حيث لم يعد البنك المركزي قادراً على التدخل للسيطرة على السوق، فيما تتحكم شبكات غير رسمية وتجار العملة في تحديد الأسعار. كما يشير الخبراء إلى أن استمرار هذا المسار قد يجعل الدولار يتجاوز حاجز 5000 جنيه خلال الأشهر المقبلة إذا لم يتم التوصل إلى حلول سياسية تنهي الحرب وتعيد الثقة في الاقتصاد.
تواصل الأزمة النقدية في السودان إظهار آثارها بشكل يومي على حياة المواطنين والقطاعات الاقتصادية كافة، وسط غياب أدوات فعالة للسيطرة على السوق. وفي ظل هذه التطورات، يبقى مستقبل الجنيه السوداني رهيناً بمسار الحرب والقدرة على استعادة الاستقرار الاقتصادي.