تشهد العاصمة السودانية عودة متزايدة للسكان بعد نزوح طويل جراء الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أكثر من مليوني شخص عادوا إلى مناطق مختلفة في السودان منذ نوفمبر 2024 وحتى منتصف 2025، بينهم مئات الآلاف إلى ولاية الخرطوم. غير أن هذه العودة ترافقها تحديات إنسانية وأمنية وخدمية جسيمة تجعل الحياة في المدينة محفوفة بالمخاطر.
مع عودة السكان، ارتفع الضغط على شبكات المياه والكهرباء والخدمات البلدية، في وقت لا تزال فيه السلطات عاجزة عن توفير حلول عاجلة. وتشير تقارير طبية إلى أن أكثر من نصف مستشفيات ولاية الخرطوم خرجت عن الخدمة بسبب القصف والنهب ونقص الكوادر، حيث تضرر 41 من أصل 87 مستشفى بشكل مباشر. كما أغلقت منظمات إنسانية، منها “أطباء بلا حدود”، عدداً من مراكزها بعد تعرضها لاعتداءات، ما أدى إلى تراجع الخدمات الصحية بشكل خطير.
الوضع التعليمي بدوره يواجه أزمة حادة، إذ لا تزال أكثر من 10,000 مدرسة مغلقة على مستوى السودان، بينما تُستخدم نحو 2,100 مدرسة كملاجئ للنازحين، مما حرم أكثر من 14 مليون طفل من التعليم، وفق تقرير منظمة يونيسف.
النقص في خدمات المياه والصرف الصحي أدى إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا وحمى الضنك، التي وجدت بيئة خصبة في المنازل المهجورة والمجاري المسدودة. تقارير طبية محلية أكدت أن ضعف وسائل التشخيص ونقص الأدوية الأساسية، مثل المحاليل الوريدية، يعوقان الاستجابة الفعالة للأوبئة، في وقت ارتفعت فيه تكاليف العلاج بالقطاع الخاص، حيث بلغ سعر فحص حمى الضنك نحو 10 آلاف جنيه.
شهادات سكان محليين نقلتها وسائل إعلامية تحدثت عن انقطاع شبه كامل للكهرباء في بعض الأحياء، وتضرر أعمدة وأسلاك ومحولات الكهرباء. كما أشاروا إلى اضطرارهم لحفر آبار يدوية أو الاعتماد على صهاريج صغيرة لتوفير المياه، فيما لجأت بعض الأسر إلى استخدام المولدات الخاصة وألواح الطاقة الشمسية رغم تكلفتها العالية.
الوضع الأمني لا يقل خطورة، إذ سجلت حالات متكررة من السرقات وخطف الهواتف والنهب الليلي للأسواق والمنازل، في ظل ضعف الوجود الأمني. كما تزايدت حوادث الخطف وانتشار السلاح بشكل واسع. ودفعت هجمات بالطائرات المسيرة استهدفت منشآت حيوية في العاصمة مطلع سبتمبر الجاري بعض الأسر إلى العدول عن العودة، فيما فضلت أسر أخرى البقاء في منازلها رغم المخاطر.
في ظل غياب الدولة، اعتمدت بعض المجتمعات المحلية على مبادرات جماعية لحفر الآبار وتأمين المياه، أو مشاركة الموارد بين الجيران. إلا أن هذه الحلول تبقى محدودة ولا تغطي احتياجات جميع السكان، خاصة مع تزايد أعداد العائدين.
تكشف شهادات المواطنين والتقارير الإنسانية عن واقع معقد في الخرطوم، حيث تتداخل الأزمات الصحية والخدمية والأمنية، ما يجعل عودة الحياة الطبيعية رهينة بتحسن الأوضاع الأمنية والخدمية على نحو ملموس. وحتى ذلك الحين، تبقى عودة السكان إلى العاصمة خطوة محفوفة بالمخاطر وسط تحديات يومية متزايدة.