شهدت أسعار صرف العملات الأجنبية في السودان ارتفاعًا جديدًا اليوم الثلاثاء، مسجلة مستويات قياسية في السوق الموازي، في تطور يعكس هشاشة الوضع النقدي في البلاد واستمرار حالة الاضطراب الاقتصادي منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
بحسب متعاملين في السوق، بلغ سعر الدولار في السوق الموازي نحو 3,700 جنيه سوداني، وهو أعلى مستوى له منذ بداية الأزمة، فيما تراوحت أسعار الريال السعودي بين 933 و986 جنيهًا.
ويشير مراقبون إلى أن هذه القفزة تأتي في أعقاب تصريحات لوزير المالية جبريل إبراهيم، الذي لمح في مقابلة متداولة إلى إمكانية وصول سعر الدولار إلى 10,000 جنيه سوداني، وهو ما اعتُبر إشارة إلى عمق الأزمة النقدية.
أثارت تصريحات الوزير موجة من القلق وسط المتعاملين، إذ ربط بين تراجع الجنيه واستمرار توقف الصادرات والطلب المتزايد على النقد الأجنبي في ظل الحرب. ورغم تأكيده أن الاقتصاد لم ينهَر بعد، إلا أن حديثه اعتُبر بمثابة إقرار ضمني بفقدان السيطرة على السوق النقدي، ما دفع أسعار الصرف إلى الارتفاع فورًا في السوق الموازي.
عند اندلاع الحرب في أبريل 2023، لم يتجاوز سعر الدولار 560 جنيهًا، لكنه تضاعف أكثر من ست مرات خلال عامين ونصف، ما يعكس انهيارًا حادًا في قيمة العملة المحلية بنسبة تجاوزت 560%.
ويرى خبراء أن هذا التدهور يمثل تحولًا بنيويًا في الاقتصاد السوداني، الذي بات يعتمد بشكل كبير على السوق الموازي بعد تراجع دور البنك المركزي وضعف أدوات السياسة النقدية.
تقرير حديث للبنك الدولي بعنوان Sudan Economic Update 2025 وصف الأزمة الحالية بأنها “الأسوأ في تاريخ السودان الحديث”، مشيرًا إلى أن الحرب دمرت البنية التحتية المالية وأدت إلى شلل شبه كامل في النظام المصرفي.
كما صنف تقرير صادر عن MENAAP في أكتوبر 2025 السودان ضمن الدول التي دخلت مرحلة “الاقتصاد بلا عملة”، محذرًا من انهيار محتمل للنظام المالي في ظل غياب الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
تتوقع تقارير اقتصادية أن يصل سعر الدولار إلى 5,000 جنيه خلال النصف الأول من عام 2026 إذا استمر النزاع دون حلول سياسية. ويرى محللون أن استمرار الحرب وتراجع الإنتاج الزراعي والصناعي سيؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة في الجنيه، وربما اعتماد العملات الأجنبية في التعاملات اليومية كما حدث في دول أخرى واجهت أزمات مشابهة.
لم تعد تقلبات أسعار الصرف في السودان مجرد انعكاس للأوضاع الأمنية، بل تمثل تحولًا هيكليًا في طبيعة الاقتصاد الوطني. فالسوق الموازي أصبح المرجع الحقيقي لتحديد قيمة العملة، بينما تراجع دور البنوك الرسمية التي لم تحدّث أسعارها منذ أشهر بسبب الحرب.
ويرى اقتصاديون أن السودان يقترب من مرحلة “ما بعد السوق الموازي”، حيث قد يتم التعامل مستقبلاً بالدولار أو العملات الإقليمية في بعض المناطق.
العملة | السعر (جنيه سوداني) |
---|---|
الدولار الأمريكي | 3,700 |
الريال السعودي | 986.6 |
الجنيه المصري | 77.86 |
الدرهم الإماراتي | 1,008.1 |
اليورو | 4,302.3 |
الجنيه الإسترليني | 4,933.3 |
الريال القطري | 1,016.4 |
اختلافات واسعة بين السوق والبنوك
رغم أن البنوك التجارية ما زالت تُظهر أسعارًا رسمية تتراوح بين 2,000 و2,600 جنيه للدولار، فإن هذه الأسعار لم تُحدّث منذ منتصف أبريل. ويؤكد متعاملون أن عمليات البيع والشراء الكبيرة في السوق باتت شبه متوقفة نتيجة غياب السيولة واستمرار تذبذب الأسعار من تاجر إلى آخر.
تعكس التطورات الأخيرة هشاشة الوضع النقدي في السودان واستمرار الانقسام بين السوق الرسمي والموازي. ومع غياب رؤية اقتصادية واضحة وإطالة أمد الحرب، يخشى مراقبون من أن يفقد الجنيه السوداني دوره كعملة متداولة، ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية واقتصادية عاجلة تعيد الثقة في النظام المالي.