نيابة الخرطوم تصدر أمرًا بالقبض على ضابطين في الاستخبارات العسكرية السودانية

4 Min Read

في سابقة قضائية نادرة، أصدر وكيل أول نيابة كرري بأم درمان أمرًا بالقبض على ضابطين في الاستخبارات العسكرية على خلفية اتهامات تتعلق بـ اختطاف واعتقال غير مشروع بحق الناشط خالد محمد مصطفى سليمان، أحد قيادات لجان المقاومة الشعبية في منطقة الجموعية.
وجاء القرار بعد تحقيقات كشفت عن اختفاء سليمان منذ 17 أغسطس 2025، إثر بلاغ تقدمت به شقيقته إلى قسم شرطة مدينة النيل دون نتيجة، ما دفع النيابة لفتح تحقيق موسع قاد إلى تورط ضباط في جهاز الاستخبارات العسكرية.

فإن شقيقة المختطف تلقت بعد شهر معلومات تفيد بأن قوة عسكرية اقتادت شقيقها برفقة اللواء المتقاعد عبد الباقي بكراوي، أثناء تواجدهما في منزل الأخير بأم درمان.
شهود العيان أوضحوا أن الضابطين المتورطين هما الرائد (م.ح.ه) والنقيب (هـ.ع.أ)، وقد نفّذا العملية بحجة “مساعدة بكراوي صحيًا”، قبل أن يُنقل خالد إلى جهة مجهولة.
النيابة العامة خاطبت إدارة الاستخبارات رسميًا لاستدعاء الضابطين، غير أن الأخيرة لم تتجاوب مع الطلب رغم مرور أكثر من أسبوعين على الخطاب، مما دفع النيابة إلى تعديل التهم الموجهة.

بعد تعثر الاستجابة العسكرية، قررت النيابة تحويل البلاغ من المادة (47) إلى المادتين (162) و**(165)** من القانون الجنائي السوداني، واللتين تتعلقان بـ الخطف والاعتقال غير المشروع، وهي تهم تصل عقوبتها إلى السجن عشر سنوات.
ويعكس هذا القرار تصعيدًا قانونيًا نادرًا ضد عناصر في الأجهزة النظامية، في وقت تشهد فيه البلاد توترًا متزايدًا بين القضاء والمؤسسة العسكرية على خلفية انتهاكات واسعة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

يُعد خالد محمد مصطفى سليمان شخصية مثيرة للجدل في المشهد السياسي السوداني، إذ ارتبط اسمه بمحاولات انقلابية سابقة أبرزها:

  • محاولة العميد محمد إبراهيم “ود إبراهيم” عام 2012 ضد نظام عمر البشير.
  • محاولة اللواء عبد الباقي بكراوي عام 2021، التي أُدرج اسمه ضمن قائمة المطلوبين فيها.

ومع اندلاع الحرب الأخيرة، عاد خالد للواجهة بانضمامه إلى قوات المقاومة الشعبية، ولعب دورًا ميدانيًا في تحرير منطقة صالحة بأم درمان من قوات الدعم السريع، وفق مصادر محلية.

في سياق متصل، شهدت قرية “إيد الحد” بمنطقة الجموعية عملية اقتحام نفذتها قوة أمنية مدججة بالأسلحة الثقيلة، قامت خلالها بتفتيش المنازل واعتقال المواطن عبد الرسول رحمة الله دون أمر قضائي.
لكن الأهالي تمكنوا من استعادته بعد مواجهة مباشرة مع القوة، ما أثار توترًا واسعًا في المنطقة.
وفي بيان رسمي، قال المتحدث باسم الجموعية سيف الدين أحمد شريف إن ما جرى يمثل “انتهاكًا واضحًا لحقوق المواطنين وخرقًا للقانون”، محذرًا من تكرار مثل هذه الممارسات.

أعلن سكان قرى الجموعية رفضهم القاطع لدخول أي قوات أمنية إلى مناطقهم “ابتداءً من اليوم”، مؤكدين في بيانهم:

“من لم يضع هذا التحذير نصب عينيه فلا يلومن إلا نفسه، ونحن قادرون على حماية المواطنين وصدّ أي عدوان.”

ويعكس هذا الموقف تصاعد الاحتقان الشعبي ضد القوات النظامية، وسط اتهامات متكررة بتنفيذ اعتقالات تعسفية وعمليات اقتحام دون إذن قانوني.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات تعمق من حالة الانفلات الأمني والتوتر المجتمعي في العاصمة وضواحيها، مع غياب التنسيق بين السلطات المدنية والعسكرية، وازدياد فجوة الثقة بين المواطنين والأجهزة النظامية.

يمثل أمر القبض الصادر من النيابة اختبارًا حقيقيًا لاستقلالية القضاء السوداني في ظل الحرب الجارية، كما يسلط الضوء على صراع الصلاحيات بين النيابة العامة والأجهزة العسكرية.
وبينما تترقب الأوساط الحقوقية استجابة الاستخبارات للقرار القضائي، يرى مراقبون أن مستقبل العلاقة بين المؤسستين العسكرية والقضائية بات مرهونًا بكيفية التعامل مع هذه القضية التي قد تفتح الباب أمام سابقة قانونية غير مسبوقة في السودان الحديث.

Share This Article