الفاشر تتحول إلى ساحة مفتوحة للمواجهات.. الأسعار تحلّق والمطابخ تغلق

4 Min Read

تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، كارثة إنسانية متصاعدة مع استمرار الحصار المفروض عليها منذ أكثر من 550 يومًا، وسط انهيار شبه كامل للخدمات الأساسية وارتفاع جنوني في الأسعار، ما أدى إلى توقف أغلب التكايا والمطابخ المجتمعية التي يعتمد عليها آلاف المدنيين لتأمين وجباتهم اليومية.
ووفقًا لتقارير ميدانية، فإن المخزون الغذائي في المدينة أوشك على النفاد، فيما وصف متطوعون محليون الوضع بأنه “مجاعة حقيقية“، مشيرين إلى أن من لم يمت بالقصف، يواجه خطر الموت جوعًا أو بالأمراض نتيجة سوء التغذية ونقص الأدوية.

أفاد مواطنون أن أسعار السلع الأساسية تضاعفت بشكل غير مسبوق، حيث بلغ رطل السكر 140 ألف جنيه سوداني، وكيلو الدقيق والأرز 400 ألف جنيه، بينما وصل سعر كورة الأمباز إلى 100 ألف جنيه، في وقت توقفت فيه معظم التكايا والمطابخ المجتمعية بسبب نقص المواد الغذائية وغياب الدعم الإنساني.
وأكد الأهالي أن القصف المدفعي المتقطع يمنع وصول أي إمدادات أو مساعدات للمدينة، وأن الوضع المعيشي وصل إلى مرحلة الانهيار الكامل، ما جعل آلاف الأسر تعتمد على جلد الأبقار أو أوراق الأشجار كمصدر للبقاء.

ميدانيًا، أعلنت الفرقة السادسة مشاة مساء الأربعاء صدّ هجوم جديد لقوات الدعم السريع على المحور الجنوبي للفاشر، مؤكدة تدمير آليات للمهاجمين، بينها مدرعة من نوع “صرصر” وعربة بوكس مموهة، فيما عطّلت القوات عربة إدارية في المحور الشمالي.
في المقابل، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة أبو قمرة بمحلية كرنوي، بعد انضمام قوة تابعة لتجمع قوى تحرير السودان إلى حركة مني أركو مناوي. ورغم تسجيل هدوء نسبي في المدينة منذ مساء الأربعاء، إلا أن القصف المتقطع لا يزال مستمرًا، ما يعمّق الأزمة الأمنية والإنسانية معًا.

أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تحذيرًا من تصعيد خطير في العنف ضد المدنيين، مؤكداً أن الفاشر محاصرة من جميع الجهات، وأن الأسواق فارغة والأسعار بلغت مستويات قياسية.
وأشار المكتب إلى أن صور الأقمار الصناعية أظهرت هجمات ممنهجة على الملاجئ والمساجد والمستشفيات والأسواق خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، مما يثير مخاوف من ارتكاب جرائم حرب.
كما أوضح أن الحواجز الترابية المحيطة بالمدينة تعيق حركة السكان وتمنع دخول المساعدات، في وقت أغلقت فيه المطابخ المجتمعية بالكامل تقريباً، ما يجعل المدنيين على شفا مجاعة شاملة.

في اجتماع تنويري لوزارة الخارجية السودانية مع البعثات الدبلوماسية والمنظمات الأممية، دعا أحمد محمد عثمان، مفوض عام العون الإنساني بالإنابة، إلى تدخل دولي عاجل لرفع الحصار عن الفاشر، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2736 لعام 2024.

بدوره، أكد السفير إدريس إسماعيل، وكيل وزارة الخارجية بالإنابة، أن الفاشر تعيش وضعًا إنسانيًا غير مسبوق نتيجة حصار مستمر منذ أكثر من 551 يومًا، حيث تُهاجم المدينة بالمدفعية والطائرات المسيّرة والأسلحة الثقيلة.
وأشار إلى أن عدد الهجمات بلغ 257 هجومًا، وأن المدنيين يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والمياه والدواء، فيما تتزايد معاناة النساء والأطفال جراء القصف المستمر للأحياء السكنية والمدارس.

وأوضح إسماعيل أن قوات الدعم السريع قصفت مسجد حي الدرجة يوم 19 سبتمبر 2025 ما أسفر عن مقتل 75 شخصًا، كما استهدفت مدرسة دار الأرقم التي كانت تؤوي نازحين في 11 أكتوبر، مما أدى إلى وفاة أكثر من 60 مدنيًا.
وفي المقابل، نفت قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن تلك الهجمات، مدعية أن “المدينة خالية من المدنيين”، وأن المواقع المستهدفة تضم “عناصر مسلحة من المقاومة الشعبية”.
هذا التباين في الروايات، وفق المراقبين، يزيد من تعقيد المشهد الإنساني والقانوني، ويضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ أخلاقي عاجل لإنقاذ سكان الفاشر من كارثة وشيكة.

مع استمرار الحصار، وانعدام الغذاء والدواء، وتحليق الأسعار إلى مستويات خيالية، تتحول الفاشر اليوم إلى رمزٍ للأزمة الإنسانية الأكبر في السودان.
وفيما تغلق المطابخ وتفرغ الأسواق، يظل المطلب الإنساني الأول واضحًا: كسر الحصار فورًا، وتأمين ممرات إنسانية لإنقاذ ما تبقى من المدنيين قبل أن تتحول المأساة إلى مجاعة معلنة.

Share This Article