شهدت أسعار صرف العملات الأجنبية في السودان اليوم الخميس تراجعًا حادًا جديدًا في قيمة الجنيه السوداني، وسط استمرار الحرب وتعطل المؤسسات الاقتصادية الرسمية.
وبحسب متعاملين في السوق الموازي، بلغ سعر بيع الدولار الأمريكي 3700 جنيه، في حين وصل الريال السعودي إلى نحو 986 جنيهًا، والدرهم الإماراتي إلى 1008 جنيهات. كما سجل اليورو نحو 4302 جنيه، والجنيه الإسترليني حوالي 4933 جنيهًا.
هذه المستويات تُعد الأعلى منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، حين كان الدولار يعادل نحو 560 جنيهًا فقط.
تقرير صادر عن مركز الدراسات الاقتصادية بجامعة أكسفورد في سبتمبر الماضي وصف المشهد المالي في السودان بأنه حالة من “التفكك النقدي غير القابل للعكس”، مشيرًا إلى أن السوق الموازي أصبح الجهة الفعلية لتحديد أسعار الصرف بعد فقدان البنك المركزي أدوات التدخل والسيطرة.
ووفق التقرير، فإن أكثر من 85% من المعاملات التجارية تجري خارج النظام المصرفي الرسمي، سواء بالدولار الأمريكي أو عبر المقايضة، ما يعكس تراجع الثقة في العملة المحلية والمؤسسات المالية. كما أشار التقرير إلى خطر دخول البلاد في مرحلة “الدولرة الكاملة” على غرار تجارب زيمبابوي وفنزويلا.
من جهتها، وصفت وكالة بلومبرغ للاقتصاد في تقرير صدر أكتوبر الجاري الاقتصاد السوداني بأنه “خارج السيطرة”، موضحة أن الحرب المستمرة منذ أكثر من 18 شهرًا أدت إلى انهيار القطاع المصرفي، وتوقف الإنتاج الزراعي والصناعي، فضلًا عن شلل سلاسل الإمداد.
وأشار التقرير إلى أن معدل التضخم تجاوز 400%، فيما انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 21% خلال عام واحد، مع فقدان أكثر من 70% من الوظائف في القطاع الرسمي. كما وضع مؤشر الهشاشة الاقتصادية العالمي السودان في المرتبة الثانية عالميًا من حيث سرعة التدهور النقدي بعد فنزويلا.
تقرير آخر صادر عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي توقع أن يتجاوز سعر صرف الدولار حاجز 5000 جنيه سوداني خلال النصف الأول من عام 2026 إذا استمرت الحرب دون تدخل دولي فاعل.
وأضاف التقرير أن السودان يواجه خطر “الانهيار النقدي الكامل”، مع تزايد الفقر، وانهيار الخدمات العامة، وتراجع الاستثمارات إلى أدنى مستوياتها.
يرى خبراء اقتصاديون أن الجنيه السوداني يواجه مرحلة “ما قبل الزوال” كعملة متداولة، في ظل غياب إصلاحات اقتصادية جذرية واستمرار الحرب وانعدام الدعم الدولي.
ويحذر مراقبون من أن البلاد تتجه نحو “اقتصاد رمادي” تُهيمن عليه العملات الأجنبية وشبكات السوق غير الرسمية، ما يجعل استعادة الثقة في النظام النقدي والمالي مهمة شبه مستحيلة دون دعم دولي واسع النطاق.