شهد ميدان الخليفة في مدينة أم درمان عودة الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف بعد توقف دام عامين بسبب ظروف الحرب، في مشهد جمع بين الأجواء الروحية وملامح الدمار الذي خلّفته المعارك. الاحتفال الذي استقطب أعداداً كبيرة من المواطنين عكس رغبة السودانيين في استعادة تقاليدهم الجماعية ومظاهر الفرح الشعبي رغم التحديات.
يُعد ميدان الخليفة من أبرز الساحات الدينية والتاريخية في السودان، حيث ارتبط منذ العهد المهدوي باحتفالات المولد. وعلى مدى عقود طويلة، شكّل الميدان مركزاً للزفة والموكب وحلقات الذكر، قبل أن يتوقف الاحتفال لعامين متتاليين، ما اعتبره الأهالي فقداناً لجزء من هوية المدينة.
مع حلول المساء، امتلأت الساحة بالنساء والأطفال والشيوخ، وتعالت الزغاريد مع دخول المواكب الصوفية، فيما ترددت المدائح النبوية في أرجاء المكان. حلقات الذكر انتظمت جنباً إلى جنب، وأضفت الأزياء الصوفية ذات الألوان الزاهية طابعاً مميزاً على المشهد، رغم بقاء المباني المحيطة بالميدان مثقلة بآثار الحرب من جدران مهدمة ونوافذ محطمة.
ورغم مشاركة واسعة في الفعاليات، انعكست الأزمة الاقتصادية على جوانب الاحتفال، حيث اشتكى باعة الحلوى من ضعف الإقبال، وعجزت العديد من الأسر عن شراء ما اعتادت عليه من حلويات المولد. إلا أن الأطفال وجدوا في الأهازيج والجري بين الخيام بديلاً يعوض بعض الفرح الغائب.
ارتبط المولد النبوي في أم درمان منذ أواخر القرن التاسع عشر بالعهد المهدوي، حين اتخذ الخليفة عبد الله التعايشي الميدان المحيط بمسجده مركزاً للتجمعات. ومع مرور الزمن، أصبح الاحتفال مناسبة دينية واجتماعية وثقافية تلتقي خلالها العائلات وتنتعش الأسواق الشعبية.
وتواصل الطرق الصوفية – القادرية، التيجانية، الختمية وغيرها – حضورها البارز في هذه المناسبة، حيث شاركت هذا العام بموكبها وراياتها، في رسالة اعتبرها مراقبون دليلاً على استمرار دور التصوف كأحد مصادر التماسك الروحي والاجتماعي في السودان، رغم التحديات التي فرضتها الحرب.