في تطور لافت يعكس إدراك الدولة المتزايد لأهمية معالجة آثار الحرب والانتهاكات على النساء والفتيات، أعلنت وزارتا الصحة والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن اتفاق لإنشاء مركز مرجعي متكامل في ولاية الجزيرة، يهدف إلى تقديم خدمات صحية ونفسية وقانونية واجتماعية متخصصة للنساء، لا سيما الناجيات من العنف الجنسي والجسدي خلال النزاع المسلح.
جاء الإعلان خلال لقاء رسمي جمع وكيل وزارة الصحة الاتحادية، الدكتور هيثم محمد إبراهيم، بوزيرة الدولة بوزارة الموارد البشرية، الدكتورة سليمى إسحاق محمد، في مقر وزارة الصحة بمدينة بورتسودان، حيث بحث الطرفان آليات التنسيق لتوسيع نطاق الخدمات الصحية والاجتماعية للنساء في مناطق النزاع والنزوح.
وخلال اللقاء، أكد وكيل وزارة الصحة أن “الوزارة تضع صحة النساء وحقهن في الحياة والرعاية الصحية على رأس أولوياتها الوطنية”، مشيرًا إلى أن الأوضاع الإنسانية المتدهورة تتطلب تفعيل أدوات استجابة شاملة، تضمن رعاية الأم والطفل، والصحة الإنجابية، والدعم النفسي والاجتماعي، خاصة في ظل ما وصفه بـ”الانتهاكات الفادحة التي تعرضت لها النساء في مناطق النزاع.
وأشار الدكتور هيثم إلى أن المركز المرجعي سيكون نقطة تحول في طريقة تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية في السودان، لافتًا إلى أهمية التكامل بين المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية لتجاوز التحديات الحالية، وتعزيز حماية النساء والفتيات من آثار الحرب والتهجير والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
من جانبها، أوضحت الدكتورة سليمى إسحاق أن المركز المرتقب إنشاؤه هو ثمرة شراكة ثلاثية بين وزارة الموارد البشرية، ووزارة الصحة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وسيكون بمثابة “ملاذ شامل للنساء المتأثرات، يقدم لهن الرعاية الصحية والدعم النفسي والمجتمعي والاستشارات القانونية في مكان واحد”.
وأكدت الوزيرة أن المركز سيعمل أيضًا على تمكين النساء الناجيات من خلال برامج إعادة التأهيل، والتدريب على المهارات الحياتية، وبناء القدرات الاقتصادية، مما يسهم في دعم الاستقرار المجتمعي وتعزيز التماسك الأسري في المناطق التي تعرضت لانهيار الخدمات الأساسية.
كما شددت الوزيرة على ضرورة تحويل الاتفاق إلى خطوات تنفيذية ملموسة على الأرض، داعية إلى دعم المجتمعات المحلية وتمكين النساء من المشاركة في إدارة المراكز نفسها، باعتبارهن صاحبات التجربة والمعرفة بالسياقات الاجتماعية التي يعشن فيها.
يأتي هذا التوجه في سياق متغير إقليمي ومحلي، حيث تواجه النساء السودانيات أوضاعًا إنسانية حرجة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وتقول منظمات حقوقية محلية ودولية إن النساء والفتيات في مناطق النزاع، خصوصًا دارفور، الخرطوم، وجنوب كردفان، تعرضن لانتهاكات جسيمة، شملت الاغتصاب، الاعتداء الجسدي، والإجبار على النزوح دون أدنى حماية أو خدمات.
وقد طالبت العديد من الجهات الحقوقية بإنشاء مراكز شاملة تستجيب لتلك الحاجات المعقدة، وهو ما يبدو أن الاتفاق الحالي بين الوزارتين يسعى لتلبيته ولو جزئيًا، ليكون نموذجًا يمكن تعميمه مستقبلاً في ولايات أخرى.
في بلد تمزقه الحرب، وتنهار فيه البنية التحتية تدريجيًا، تشكل هذه المبادرة الحكومية المشتركة بادرة أمل، ليس فقط للنساء، بل لمستقبل تقديم الخدمات الاجتماعية في السودان، ويبقى التحدي الأكبر هو سرعة التنفيذ، واستدامة التمويل، وضمان أن تكون خدمات المركز بعيدة عن أي توظيف سياسي، وأن تراعي كرامة وخصوصية النساء اللواتي تحملن أعباء الحرب والصراع على أجسادهن ونفسياتهن.