في تطور غير مسبوق، سجلت أسواق الصرف في السودان صباح الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 مستويات قياسية جديدة، حيث بلغ سعر الدولار الأمريكي في السوق الموازي 3700 جنيهًا للبيع و3660 جنيهًا للشراء، وهو أعلى مستوى منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
هذا الرقم لا يُشير إلى استقرار مالي بقدر ما يعكس جمودًا نقديًا حادًا، إذ فقد الجنيه السوداني أكثر من 560% من قيمته خلال ثلاثين شهرًا، وتحول إلى وحدة رمزية في اقتصاد فقد ارتباطه بالمؤسسات الرسمية وأدوات التدخل النقدي.
الارتفاع الأخير بدأ نهاية الأسبوع الماضي وسط انعدام الثقة في البنوك وتزايد الاعتماد على السوق غير الرسمي لتحديد الأسعار. ويُشير محللون إلى أن توقف بنك السودان عن عمليات الشراء والبيع الفعالة جعل السوق الموازي المصدر الوحيد لتقييم العملات.
في ظل غياب أي إجراءات تصحيحية، أصبحت العملات الأجنبية الأخرى تسجل بدورها قفزات مماثلة:
- الريال السعودي: 986.666 جنيهًا
- الدرهم الإماراتي: 1008.174 جنيهًا
- اليورو: 4352.94 جنيهًا
- الجنيه الإسترليني: 5000 جنيهًا
- الريال القطري: 1016.483 جنيهًا
- الجنيه المصري: 77.486 جنيهًا
تُظهر هذه الأرقام اتساع الفجوة بين العرض والطلب، وتآكل قدرة الجنيه على الصمود أمام العملات الإقليمية والدولية.
يوصف الوضع في السودان بأنه “اقتصاد خارج السيطرة النقدية”، موضحًا أن الجنيه لم يعد يُستخدم كمخزن للقيمة أو وسيلة تبادل، بل أصبح يُستعمل فقط في المعاملات الصغيرة. وأشار التقرير إلى أن أكثر من 70% من التعاملات اليومية تتم بالدولار أو عبر المقايضة، وأن التضخم تجاوز 180% وسط انهيار الخدمات العامة والإنتاج المحلي.
من جهتها، ذكرت رويترز الأسواق العالمية أن أكثر من 80% من البنوك السودانية تعمل دون قدرة تنفيذية حقيقية، بينما يُدار السوق الموازي عبر شبكات غير رسمية تتحكم في الأسعار بعيدًا عن الرقابة.
يرى خبراء اقتصاديون أن بقاء الدولار عند مستوى 3700 جنيهًا لا يعني استقرارًا، بل يمثل نقطة انهيار جديدة في مسار تدهور العملة الوطنية. ومع استمرار الحرب وتفكك مؤسسات الدولة، يُتوقع أن يتجاوز الدولار 5000 جنيه خلال العام المقبل إذا لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تعيد الثقة إلى النظام المالي.
يواجه السودان اليوم أزمة وجودية في مفهوم الدولة الاقتصادية، بعد أن فقدت العملة الوطنية وظيفتها الأساسية كمخزن للقيمة وأداة للتبادل. ومع غياب خطة إنقاذ دولية أو تدخل نقدي فعال، يبقى الجنيه السوداني في مسار تآكل مستمر، ليصبح رمزًا لأعمق أزمة مالية في تاريخ البلاد الحديث.