أعلن فارس النور، حاكم إقليم الخرطوم ضمن حكومة “تأسيس”، عن أول قرار رسمي له عقب توليه المنصب، تمثل في التصديق على قطعة أرض لصالح الكنيسة الخمسينية بحي الحاج يوسف، مع توجيه حكومة الإقليم بتحمل تكاليف إعادة بنائها بالكامل. الخطوة جاءت، وفق النور، كتعويض عن “الضرر الجسيم الذي لحق بالكنيسة نتيجة أعمال هدم وتخريب ارتكبتها جهات تنتمي لما وصفه بـ’الفلول'”. وأوضح النور، في بيان نشره عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”، أن قراره لا يمثل فقط إجراءً إدارياً، بل “موقفاً وطنياً وأخلاقياً” يعكس روح ومبادئ مشروع حكومة “تأسيس”، التي تهدف إلى إقامة دولة سودانية “علمانية، ديمقراطية، لا مركزية، تقوم على العدالة والمساواة وحرية المعتقد”.
القرار أثار تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، بين مؤيدين اعتبروه بادرة شجاعة تجاه حماية الحريات الدينية، ومعارضين شككوا في جدواه، في ظل عدم سيطرة حكومة “تأسيس” الفعلية على العاصمة الخرطوم، ما دفع بعض المراقبين إلى وصف الخطوة بـ”الرمزية”، الهادفة لتكريس خطاب سياسي بديل يعكس مشروع الدولة الجديدة التي تسعى لها الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون.
تأسست الكنيسة الخمسينية في الخرطوم عام 1989، وتُعد واحدة من أقدم الكنائس الإنجيلية في السودان، وقد لعبت دورًا اجتماعيًا وروحيًا بارزًا في حي الحاج يوسف. غير أنها تعرضت في الأشهر الماضية لعملية هدم مفاجئة من قبل جهات أمنية مجهولة، دون صدور أي توضيح رسمي من الحكومة السابقة أو السلطات المحلية، ما أثار موجة استنكار واسعة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني. ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية ومحلية، فقد تعرض أكثر من 150 دار عبادة مسيحية في السودان لأضرار مباشرة أو هدم كامل منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، في ظل ما وُصف بأنه تدهور حاد في بيئة الحريات الدينية وغياب شبه تام للعدالة والمساءلة.
قرار النور يمثل أول اختبار عملي لرؤية حكومة “تأسيس” تجاه قضايا التعدد الديني وحقوق الأقليات. ويقول مراقبون إن الخطوة تهدف إلى إيصال رسالة قوية مفادها أن “السودان الجديد” الذي تسعى إليه الحكومة المدنية لن يتسع للإقصاء، بل سيقوم على التسامح والتنوع واحترام حقوق الجميع دون تمييز.
ومن غير المتوقع أن تنفذ الحكومة المركزية المؤقتة في بورتسودان أو الجهات العسكرية الحاكمة فعليًا في الخرطوم هذا القرار، لكن رمزيته السياسية قد تحمل دلالات مهمة في سياق الصراع السياسي الجاري بين المشروعين المتنافسين على مستقبل السودان.