في خطوة تمثل تحولاً مهماً في الدبلوماسية السودانية، يتوجه رئيس الوزراء السوداني، الدكتور كامل إدريس، يوم الإثنين المقبل، إلى جمهورية مصر العربية في زيارة رسمية تُعد الأولى له خارج البلاد منذ تسلمه رئاسة الحكومة في مايو الماضي وتشكيل حكومة “الأمل”.
وتأتي هذه الزيارة في وقت يشهد فيه السودان مرحلة انتقالية حساسة، تسعى فيها الحكومة الجديدة إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي وبناء علاقات خارجية متينة تعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويرافق رئيس الوزراء وفد رسمي رفيع يضم وزير الدولة بوزارة الخارجية، السفير عمر صديق، في إطار مساعي لفتح صفحة جديدة من التعاون مع مصر، أحد أبرز شركاء السودان الإقليميين.
ومن المقرر أن يلتقي الدكتور كامل إدريس نظيره المصري الدكتور مصطفى مدبولي، لبحث عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، أبرزها سبل تطوير العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية والأمنية، وتنسيق المواقف السياسية في القضايا الإقليمية والدولية، خاصة تلك المرتبطة بالوضع في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
الزيارة تأتي بعد مشاورات شاقة خاضها رئيس الوزراء لتشكيل حكومة من كفاءات وطنية مستقلة، بعيداً عن المحاصصة الحزبية التي هيمنت على الحكومات السابقة، ورغم هذه التحديات، مضى إدريس في تشكيل حكومة تركز على الأولويات الوطنية وتبتعد عن التجاذبات السياسية التقليدية، ساعياً إلى استعادة ثقة الشارع السوداني الذي أنهكته سنوات الحرب والانقسام والتدهور الاقتصادي.
تحمل زيارة إدريس إلى القاهرة دلالات استراتيجية واضحة، بالنظر إلى مواقف مصر الداعمة للمؤسسة العسكرية السودانية خلال فترات الأزمة، ورفضها للضغوط الدولية الرامية إلى تقليص دور الجيش في إدارة المرحلة الانتقالية، كما تعد مصر شريكاً اقتصادياً مهماً للسودان، خاصة في مجالات البنية التحتية، التجارة، والمياه، مما يجعل التنسيق معها ضرورة في ظل التحديات الراهنة، إلى أن أجندة المباحثات تشمل تعزيز التعاون في مجالات التدريب الأمني وتبادل الخبرات، إضافة إلى بحث سبل دعم السودان في المحافل الإقليمية والدولية، ضمن رؤية متكاملة لإعادة اندماجه في محيطه العربي والإفريقي.
تُعد هذه الزيارة خطوة أولى في اتجاه سياسة خارجية جديدة تتبناها حكومة “الأمل”، تقوم على الانفتاح المتوازن وبناء شراكات استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة، بعيداً عن الاستقطاب الإقليمي والدولي الذي طبع المرحلة السابقة، ويأمل المراقبون أن تسفر هذه الزيارة عن نتائج عملية تُسهم في دعم السودان في مسيرته نحو التعافي، خاصة في ظل الحاجة الملحة إلى دعم اقتصادي وفني يعين الحكومة الانتقالية على تنفيذ برامجها الطموحة.
وفي ظل استمرار الأزمات الإنسانية والاقتصادية، تشكل هذه الجولة بداية لاختبار قدرة الحكومة الجديدة على استعادة ثقة المجتمع الدولي والإقليمي، وفتح آفاق جديدة للسودان تعيده إلى دوره الطبيعي كفاعل مهم في محيطه العربي والإفريقي.