تشهد ولايات دارفور في غرب السودان تفاقماً متسارعاً في الأوضاع الإنسانية، وسط استمرار النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتزايد أعداد النازحين، وتفشي الأوبئة، خاصة الكوليرا. وتواجه مئات الآلاف من العائلات ظروفًا معيشية صعبة في ظل انعدام الأمن الغذائي، ونقص حاد في الرعاية الصحية، وتدهور واسع في الخدمات الأساسية.
في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يشير شهود عيان وتقارير ميدانية إلى انهيار شبه كامل في الخدمات، مع انقطاع الكهرباء والاتصالات، وإغلاق المخابز، ونفاد الأدوية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات الوفاة، وتوسّع المقابر، خاصة في المناطق التي تستضيف أعدادًا كبيرة من النازحين.
وبحسب تقارير إنسانية، بات الجوع يشكل التهديد الأكبر في المدينة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء، وسط ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، وصلت إلى خمسة أضعاف المعدل الوطني. واضطر كثيرون إلى الاعتماد على بدائل غذائية غير مناسبة مثل “الأمباز” (بقايا طحن الفول السوداني)، الذي بدأ هو الآخر في النفاد.
نتيجة تصاعد حدة القتال، فرّ الآلاف من سكان الفاشر إلى مدينة طويلة، الواقعة على بعد نحو 60 كيلومتراً غرباً. وتفيد تقارير من منظمات حقوقية مثل “محامو الطوارئ” بأن المدينة باتت تستضيف أكثر من نصف مليون نازح منذ أبريل 2023، بينما تعاني من نقص في المساعدات الغذائية والمأوى، نتيجة انخفاض التمويل الإنساني وتراجع الاستجابة الدولية.
وبالتزامن مع موسم الأمطار، سُجّل تفشي وباء الكوليرا في عدة مناطق بدارفور، لاسيما في مدينة طويلة، حيث تم تسجيل أكثر من 1,180 حالة إصابة مؤكدة، بينها نحو 300 إصابة بين الأطفال، وأكثر من 20 حالة وفاة حتى نهاية يوليو. ووفقاً لبيانات رسمية، ارتفع العدد الإجمالي للإصابات في ولايات دارفور الخمس إلى أكثر من 2,140 حالة، مع تسجيل نحو 80 حالة وفاة.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت من تعرض أكثر من 640 ألف طفل في دارفور لخطر متزايد يشمل الجوع والعنف والأوبئة. وأشارت إلى أن انتشار الكوليرا يتسارع نتيجة الظروف الصحية المتدهورة، وضعف خدمات الصرف الصحي، مشددة على أن الاستجابة الإنسانية تواجه صعوبات كبيرة بسبب استمرار العنف وصعوبة الوصول للمناطق المتضررة.
ووفقًا لمنظمة “أطباء بلا حدود”، تم علاج نحو 2,500 حالة إصابة بالكوليرا منذ منتصف يونيو، في حين سُجّلت 52 حالة وفاة على الأقل. كما أظهر تقييم ميداني أجراه المجلس النرويجي للاجئين أن 10% فقط من سكان مدينة طويلة يحصلون على مياه نظيفة بانتظام، بينما لا يتوفر لمعظم السكان مراحيض صالحة للاستخدام، وتضطر أغلب العائلات إلى الاكتفاء بوجبة واحدة يومياً أو أقل.
من جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من اتساع رقعة الأزمة، ودعت في يوليو الماضي إلى وقف القتال لأغراض إنسانية مع بدء موسم الأمطار، غير أن المعارك ما زالت تتواصل في مناطق مختلفة من دارفور وكردفان، وسط تعثر محاولات الوساطة السياسية.