أثار نقاش اقتصادي بين وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي والكاتب الصحفي عثمان ميرغني جدلاً واسعًا حول كيفية تقييم مستقبل الاقتصاد السوداني بعد الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023، وما إذا كانت المرحلة السابقة للحرب تصلح كمرجعية لإعادة البناء الاقتصادي في البلاد.
البدوي كان قد صرّح أن السودان سيحتاج إلى نحو 11 عامًا من النمو المتواصل لاستعادة حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي كان قائمًا قبل الحرب، وهو ما أثار تحفظات من ميرغني، الذي رأى أن العودة إلى “خط الصفر” قبل الحرب ليست منهجية دقيقة لقياس التعافي.
في مقاله، أوضح ميرغني أن السودان لم يكن يمتلك مؤسسات اقتصادية مستقرة أو بنية إنتاجية متماسكة قبل اندلاع الحرب، وبالتالي فإن العودة إلى تلك المرحلة لا تصلح كمرجعية. ودعا بدلًا من ذلك إلى اعتماد ما أسماه “خط صفر جديد” ينطلق من الإمكانات الحالية للسودان، مستندًا إلى موارده البشرية والطبيعية وموقعه الجيوسياسي، لبناء اقتصاد حديث من الأساس.
وفي رده على المقال، أعرب البدوي عن تقديره لملاحظات ميرغني لكنه شدد على أن أي مشروع وطني لا يمكن أن يتجاهل حجم الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب، بوصفها نقطة الانطلاق الحقيقية نحو التعافي. وأكد أن تجاوز الأزمة يتطلب الاعتراف بالواقع أولًا، ثم صياغة عقد اجتماعي–اقتصادي جديد يرسخ لنهضة تستند إلى أسس واقعية.
وأوضح البدوي أن تقديراته استندت إلى “قانون السبعين”، وهو قاعدة رياضية تحدد المدة الزمنية اللازمة لمضاعفة أي قيمة اقتصادية وفق معدل النمو السنوي. وبيّن أن نموًا بمعدل 10% سنويًا يمكن أن يعيد الاقتصاد السوداني إلى حجمه السابق خلال سبع سنوات، بينما يتطلب نمو بنسبة 7% نحو عشر سنوات.
قدّر البدوي أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان قبل الحرب بلغ نحو 51.67 مليار دولار، بينما بلغ دخل الفرد 1,046 دولارًا، مشيرًا إلى أن البلاد فقدت 40 إلى 50% من ناتجها المحلي بسبب الحرب، ليهبط إلى ما بين 25 و30 مليار دولار فقط. واعتبر أن هذا الانهيار “غير مسبوق” نظرًا لأن الحرب اندلعت في قلب العاصمة ومراكز النشاط الاقتصادي.
استشهد البدوي بتجارب دول تمكنت من تجاوز الحروب الأهلية مثل رواندا، فيتنام، كمبوديا، إثيوبيا، وموزمبيق، التي حققت معدلات نمو مرتفعة بفضل توافق وطني ومشروعات تنموية شاملة. كما أشار إلى تجربة السودان بعد اتفاقية أديس أبابا عام 1972، حين سجل الاقتصاد نموًا بنحو 10% سنويًا قبل أن تعود الحرب الأهلية لتوقف هذا المسار.
وأكد أن تحقيق التعافي يتطلب تحالفًا سياسيًا–اقتصاديًا واسعًا يؤمن بمفهوم “الشرعية الاقتصادية”، ويركز على إعادة بناء البنية التحتية وسلاسل الإمداد. وتوقع أنه في حال تحقق نمو مستدام بمعدل 10%، فإن الاقتصاد السوداني يمكن أن يتضاعف ثماني مرات خلال ثلاثة عقود ليصل إلى نحو 240 مليار دولار.
يُجمع كل من البدوي وميرغني على أن الطريق إلى التعافي الاقتصادي طويل ومعقد، لكنهما يختلفان حول نقطة الانطلاق:
- البدوي يرى أن التعافي يبدأ من الاعتراف بمرجعية ما قبل الحرب وقياس الخسائر على أساسها.
- ميرغني يدعو إلى تأسيس مرجعية جديدة بالكامل تنطلق من واقع السودان الراهن وإمكاناته المستقبلية.
ورغم اختلاف المنهجين، يتفق الطرفان على أن الاقتصاد السوداني بحاجة إلى رؤية جديدة تقوم على الاستقرار السياسي والإصلاح المؤسسي، كشرط أساسي لأي مشروع وطني للتنمية وإعادة الإعمار.