تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تصعيدًا جديدًا في العمليات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط حصار خانق وأزمة إنسانية متفاقمة.
ووفقًا لشهادات محلية، استهدفت قذائف مدفعية أطلقتها قوات الدعم السريع مجمّعًا للجزارة داخل المدينة، ما أسفر عن مقتل أكثر من سبعة أشخاص وإصابة آخرين، في أحدث سلسلة من الهجمات اليومية التي تشهدها المدينة المحاصرة منذ أشهر.
قال خميس دودة، المتحدث باسم مخيم زمزم للنازحين، إن قوات الدعم السريع تواصل استهداف المرافق المدنية وأماكن الإيواء باستخدام المدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة.
وأكد أن القصف الأخير تسبب في احتراق مركز دار الأرقم وعدد من المباني المجاورة، دون توفر إحصاءات دقيقة حول الخسائر البشرية والمادية، مضيفًا أن “ما يجري في الفاشر لم يعد قتالاً، بل عقاب جماعي للمدنيين”.
وأشار دودة إلى أن القصف أصبح شبه يومي، وأن السكان يعيشون في حالة من الرعب والإنهاك، بينما تواصل القوات المهاجمة منع دخول الغذاء والدواء والوقود إلى المدينة، في ظل انقطاع الإمدادات من جميع الاتجاهات.
مع استمرار الحصار، تحوّلت مادة الأمباز (علف الحيوانات) إلى الطعام الأساسي لسكان الفاشر، بحسب دودة، الذي كشف أن جوال الدقيق تجاوز خمسة ملايين جنيه سوداني إن وجد، فيما اختفت السلع الأساسية تمامًا من الأسواق.
وأضاف أن محاولات تهريب المواد الغذائية من منطقة طويلة توقفت بعد أن أصبحت “رحلات انتحارية” بسبب الخطر الشديد على الطرق المحيطة بالمدينة، مشيرًا إلى أن الموت جوعًا أصبح واقعًا يوميًا في العديد من الأحياء.
دعا المتحدث باسم مخيم زمزم الحكومة السودانية ووكالات الإغاثة الدولية إلى تنفيذ عملية إسقاط جوي عاجلة للمساعدات الإنسانية لإنقاذ السكان، محذرًا من أن “كل يوم تأخير يعني مزيدًا من الجثث”.
وأكد أن الأوضاع الصحية خرجت عن السيطرة، مع تسجيل ارتفاع في معدلات الوفاة بسبب الجوع والأمراض المعدية، بينما لا توجد مرافق طبية عاملة أو أدوية متاحة في المدينة.
وفي بيان سابق، قالت تنسيقية لجان الفاشر إن المدينة “تعيش مرحلة الفناء البطيء”، مشيرة إلى أن عدد الجرائم والانتهاكات يفوق القدرة على الإحصاء.
وأضاف البيان:
“نستغيث ولا يجيبنا أحد. نرى مدينتنا تُمحى ونموت ونحن نقاوم. يبدو أن العالم اكتفى بالمشاهدة.”
وأكدت التنسيقية أن الجوع تجاوز مرحلة الأزمة، وأن المدنيين “صاروا بين الموت بالقصف أو الموت جوعًا”، وسط صمت دولي مقلق رغم التحذيرات الأممية المتكررة.
منذ مايو 2024، تسعى قوات الدعم السريع إلى السيطرة الكاملة على الفاشر باعتبارها آخر معقل استراتيجي للجيش السوداني في إقليم دارفور.
ويُنظر إلى السيطرة على المدينة كخطوة محورية ضمن استراتيجية أوسع لبسط النفوذ العسكري والسياسي على الإقليم بأكمله، بعد التقدم الذي أحرزته القوات في مدن نيالا، زالنجي، والجنينة.
إلا أن هذا التقدم رافقته اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، بما في ذلك القصف العشوائي، الحصار الغذائي، ونهب المرافق العامة.
مع استمرار القصف اليومي وانقطاع الإمدادات الإنسانية، تبدو الفاشر على شفا كارثة إنسانية كاملة.
وفي ظل صمت المجتمع الدولي وعدم وجود أي مؤشرات على وقف قريب لإطلاق النار، يخشى المراقبون أن تتحول المدينة إلى رمز جديد للفشل الدولي في حماية المدنيين في السودان، حيث يموت الناس ببطء بينما يراقب العالم بصمت.