اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا جديدًا بتمديد ولاية البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان لعام إضافي، وذلك خلال جلسة رسمية عُقدت في جنيف برئاسة السفيرة يور غلوبر، المندوبة الدائمة لسويسرا لدى المجلس، في خطوة تهدف إلى مواصلة التحقيق في الانتهاكات المرتكبة منذ اندلاع الحرب في السودان عام 2023.
وافق المجلس على القرار رقم A/HRC/60/L.18 بتمديد ولاية البعثة حتى عام 2026، حيث حظي القرار بتأييد 24 دولة، وامتنعت 12 دولة عن التصويت، فيما عارضته 11 دولة، من بينها السودان وإثيوبيا وبوروندي والمغرب.
وأوضح الدكتور محمد صالح ياسين، المدافع عن حقوق الإنسان وعضو الهيئة القيادية لتحالف صمود المدني الديمقراطي، أن نتائج التصويت تعكس تزايد الدعم الدولي لاستمرار عمل البعثة، مشيرًا إلى أن الأصوات المؤيدة ارتفعت من 19 عند إنشائها في 2023 إلى 24 في الدورة الحالية، وهو ما يعكس تنامي الاهتمام بملف حقوق الإنسان في السودان.
بموجب القرار، خصص المجلس ميزانية قدرها نحو 5.96 ملايين دولار لدعم أعمال البعثة خلال العام المقبل، بما يشمل التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والتعاون مع محكمة الجنايات الدولية والجهات ذات الصلة.
كما شدد القرار على ضرورة تعاون الأطراف السودانية مع البعثة وتسهيل مهامها، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإلى تشكيل حكومة مدنية انتقالية تمهد الطريق لإجراء انتخابات عامة.
شهدت جلسة التصويت تباينًا في مواقف الدول، حيث دعمت القرار ثماني دول أوروبية، وست من أوروبا الشرقية، وأربع آسيوية، وخمس من أمريكا اللاتينية، إلى جانب جنوب أفريقيا من القارة الأفريقية. في المقابل، امتنعت ثماني دول أفريقية عن التصويت، بينما عارضته خمس دول آسيوية هي الصين، فيتنام، الكويت، قطر، وإندونيسيا.
ومن أبرز التعديلات على نص القرار حذف الفقرة المتعلقة بمزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في السودان، بعد اعتراضات من دول أفريقية وأوروبية، وذلك بهدف تحقيق توافق أوسع داخل المجلس.
أوضح السفير علي بن أبي طالب عبدالرحمن الجندي، مندوب السودان الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، أن الحكومة السودانية ترفض التعاون مع البعثة وتعتبرها إحدى آليات حقوق الإنسان المتعددة التي تتعامل مع السودان، مشيرًا إلى أن البعثة تواصل عملها من خارج البلاد عبر زيارات ميدانية لمعسكرات اللاجئين في تشاد وكينيا وأوغندا، وتتعاون مع منظمات المجتمع المدني الإقليمية والدولية.
وأكد الجندي أن مجلس حقوق الإنسان يولي اهتمامًا متزايدًا بالأوضاع الإنسانية في السودان، مشددًا على أهمية الحوار مع الآليات الأممية بدلاً من المواجهة، مستعرضًا تجربة السودان السابقة في التعاون مع المقررين الخاصين ومكاتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
نص القرار على أن تقدم البعثة تقريرًا مفصلًا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ81 عام 2026، مع إمكانية إحالة التوصيات إلى مجلس الأمن الدولي، كما أبقى الباب مفتوحًا أمام عقد جلسة طارئة في حال حدوث تطورات ميدانية جديدة.
يُعد قرار التمديد تأكيدًا على التزام المجتمع الدولي بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في السودان، واستمرار الجهود الرامية إلى توثيق الانتهاكات والمساءلة، في وقت يشهد فيه السودان أزمة إنسانية وصراعًا مسلحًا ممتدًا، جعل من عمل البعثة عنصرًا أساسيًا في دعم مسار العدالة والمساءلة الدولية.