في تطور غير متوقع، أعلن الناشط الصحفي إبراهيم بقال سراج تعليق خطته للعودة إلى السودان، بعد تلقيه تهديدات جدية تتعلق بسلامته الشخصية واحتمال ملاحقته قانونيًا.
وقال بقال في تصريح مقتضب إن “الجوطة كثيرة والتهديدات كترت”، مشيرًا إلى أن قراره بالعودة كان نابعًا من قناعة شخصية، لا باعتباره مطلوبًا أو فارًا من العدالة، غير أن التطورات الأمنية والسياسية الأخيرة دفعته إلى تأجيل الخطوة.
إعلان بقال عن نيته العودة إلى مدينة بورتسودان أثار موجة واسعة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تسجيل صوتي قدم فيه اعتذارًا علنيًا لكل من أساء إليهم خلال فترة دعمه الإعلامي لقوات الدعم السريع، حين كانت تسيطر على العاصمة الخرطوم.
وكان بقال قد لقّب نفسه سابقًا بـ”والي الخرطوم”، وظهر في عدة تسجيلات مصورة أثارت انتقادات حادة واتهامات له بالتحريض والتبرير لانتهاكات ارتكبت خلال الحرب.
الآراء حول عودته تباينت بين من يرى ضرورة محاسبته قانونيًا على أفعاله، ومن دعا إلى إعطائه فرصة للاعتراف وتحمل المسؤولية في إطار تسوية وطنية شاملة تشمل جميع الأطراف، بمن فيهم قادة الحركات المسلحة مثل جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي وأبوعاقلة كيكل.
وفق تقارير صحفية، كشف عطاف محمد مختار، رئيس تحرير صحيفة السوداني، أن بقال حصل مؤخرًا على تعليمات رسمية لاستخراج جواز سفر خاص، دون أن تُعرف الجهة التي أصدرت القرار أو دوافعه.
هذا التطور أثار تساؤلات سياسية حول ارتباط القرار بترتيبات غير معلنة داخل المشهد السوداني، في ظل تحركات يصفها مراقبون بأنها جزء من إعادة رسم خارطة النفوذ الداخلي واحتمال فتح قنوات تفاوض جديدة مع شخصيات مثيرة للجدل.
وكانت مصادر قد تحدثت في وقت سابق عن نية بقال العودة إلى بورتسودان خلال أيام، ضمن سياق سياسي متغير، لكن قرار التأجيل المفاجئ وضع حدًا لتلك التكهنات.
برز اسم إبراهيم بقال خلال الحرب بعد ظهوره في مقاطع مصورة من داخل الخرطوم، حيث أعلن نفسه “واليًا للعاصمة” خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع، وهو ما تسبب في ردود فعل غاضبة وسط سكان المدينة الذين اتهموه بتبرير انتهاكات ونهب ممنهج.
وفي أغسطس الماضي، نشر المصباح أبوزيد طلحة، قائد قوات البراء بن مالك المساندة للجيش، منشورًا ألمح فيه إلى قرب عودة بقال إلى البلاد، مستخدمًا عبارة “الأستاذ بقال قريبًا في حضن الوطن”.
المنشور أثار تفاعلًا واسعًا، تبعته توضيحات من المصباح بأن بقال لم يشارك في أي عمليات قتالية مباشرة، وأن دوره اقتصر على التغطية الإعلامية باستخدام هاتف محمول.
في تصريحات لاحقة، كشف المصباح أن بقال كان يعمل معه كمصدر معلومات منذ سنوات، وأن علاقته تعود إلى ما قبل اندلاع الحرب الحالية، مشيرًا إلى أنه كانت تجمعه صلة وثيقة بالسياسي ياسر عرمان، وأن لقاءاتهما المتكررة كانت تُعقد في فندق كانون بالخرطوم.
كما أشار إلى أن بقال كان على تواصل مع شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي، منهم مدلل، دخرو، وسفيان، وكان يمدهم بمعلومات أمنية وإعلامية مقابل دعم لوجستي، شمل معدات تصوير واستوديوهات متنقلة.
هذه الروايات – رغم عدم تأكيدها رسميًا – سلطت الضوء على تعقيدات الدور الذي لعبه بقال خلال الحرب، ما بين العمل الإعلامي والاستخدام السياسي، في بيئة شديدة الاستقطاب.
أثار الجدل حول بقال انقسامًا حادًا في الرأي العام السوداني، بين من يرفض عودته باعتباره أحد الأصوات التي ساهمت في التحريض خلال الحرب، ومن يعتبر أن عودته “حق قانوني” طالما أنه يخضع للمساءلة.
وقال المحامي د. ناجي مصطفى إن القانون لا يمنع عودة أي شخص “إذا جاء تائبًا ونادمًا”، مؤكدًا أن العدالة لا تتعارض مع العفو المشروط بتحمل المسؤولية والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالضحايا.
في تسجيل مصور بعد استعادة الجيش السيطرة على منطقة الصالحة جنوب أم درمان، ظهر بقال منتقدًا قيادة قوات الدعم السريع، واتهمها بـ”التخلي عن مواقعها بعد الهزيمة”.
ذلك الظهور عُدّ تحولًا في موقفه السياسي، إذ بدا يسعى إلى إعادة تموضع إعلامي وشخصي بعد فترة من الغياب، وسط غموض حول نواياه المستقبلية وموقعه في المشهد السياسي والإعلامي السوداني.
يبقى قرار إبراهيم بقال تعليق العودة إلى السودان مؤشرًا على استمرار حالة التوتر والانقسام في الساحة العامة، حيث تتقاطع الحسابات السياسية بالأمنية والشخصية.
ويرى مراقبون أن ما يجري يعكس حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد، وسط محاولات لإعادة صياغة التحالفات القديمة وتحديد مستقبل الأصوات المثيرة للجدل التي لعبت أدوارًا رمزية خلال الحرب.