انهار سد «أربعات» الواقع على بعد 20 كيلومتراً من مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر في السودان، في حادثة مروعة أدت إلى فيضانات وسيول مدمرة اجتاحت العديد من القرى المحيطة بالسد، ما تسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. ويمثل سد «أربعات» أحد المصادر الحيوية لإمدادات مياه الشرب في مدينة بورتسودان الساحلية، حيث تصل سعة بحيرته إلى 25 مليون متر مكعب من المياه.
خلفية السد ودوره في بورتسودان
سد «أربعات» تم إنشاؤه في عام 2003 بهدف تجميع مياه الأمطار واستخدامها خلال موسم الجفاف، حيث كانت مدينة بورتسودان تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية المستخرجة من الآبار في منطقة «أربعات»، بالإضافة إلى مياه «خور أربعات» الذي كان مصدرًا إضافيًا خلال الموسم الرطب. على الرغم من أهمية السد، لم يتم إجراء صيانة دورية له على مدار السنوات الماضية، ما أدى إلى تدهور بنيته الهيكلية وسهّل من انهياره في مواجهة السيول الأخيرة.
تفاصيل حادثة الانهيار
في يوم السبت الماضي، ضربت أمطار غزيرة وغير معتادة منطقة السد، مما تسبب في ارتفاع مستوى المياه بشكل مفاجئ. هذه الأمطار التي كانت تسقط عادة في فصل الشتاء، سقطت هذا العام في الصيف بغزارة غير مسبوقة، وهو ما تسبب في فيضانات جارفة دمرت القرى المحيطة بالسد. سكان تلك القرى فوجئوا بقوة السيول التي ارتطمت بالجبال المحيطة، لتعود المياه المتدفقة وتغمر القرى مجددًا، ما أدى إلى تدميرها بالكامل.
الخسائر البشرية والمادية
وفقاً لتقديرات أولية، قُتل ما لا يقل عن 60 شخصاً بسبب الفيضانات، فيما جرفت السيول السيارات والمنازل، وحولت القرى إلى أراضٍ مغطاة بالطين والأطماء. قرى بأكملها، يسكنها أكثر من 500 شخص، لم تعد موجودة بعد أن جرفتها السيول، وتحول بعض الناجين إلى قمم الجبال هربًا من المياه، إلا أنهم يواجهون الآن مخاطر أخرى مثل لدغات العقارب والثعابين التي تعيش في تلك المناطق.
الصعوبات في عمليات الإنقاذ
تعاني السلطات المحلية في ولاية البحر الأحمر من صعوبات كبيرة في الوصول إلى المتضررين بسبب تدمير الطرق وتغطية الأسفلت بالطين. الطرق المؤدية إلى المناطق المتضررة أصبحت غير سالكة، ولا يمكن الوصول إليها إلا باستخدام المروحيات. مدير هيئة المياه في الولاية، عمر عيسى طاهر، أشار إلى أنه ورغم معرفته الجيدة بالمنطقة على مدى 30 عامًا، فإنه لم يتعرف على القرى بعد أن ضربتها السيول، مما يوضح مدى الدمار الذي حلّ بها.
الاستجابة الطارئة والمساعدات
تعمل فرق الإنقاذ على نقل المحاصرين بالمياه إلى أماكن آمنة، وتقديم المساعدات الأولية بالتعاون مع الهلال الأحمر السوداني وعدد من المنظمات المحلية. الوضع يتطلب تدخلات عاجلة حيث أن الظروف المناخية السيئة قد تؤدي إلى تفاقم الكارثة.
السياق المناخي والتغيرات المتوقعة
الأمطار الغزيرة التي أدت إلى هذه الكارثة تعد جزءًا من تغيرات مناخية أكبر قد تستمر في السنوات القادمة. وفقاً للراصد الجوي المتطوع، المنذر أحمد، فإن التغير المناخي الذي تشهده ولاية البحر الأحمر قد يؤدي إلى صيف حار جداً وقصير، يترافق مع هطول أمطار، وشتاء بارد جداً وممطر، وهو نمط مناخي غير مألوف للمنطقة التي كانت تشهد عادةً صيفًا طويلًا وجافًا وشتاءً معتدلًا.
تأثير الفيضانات على شرق السودان
لم تقتصر الأضرار على منطقة بورتسودان وحدها، إذ تأثرت مناطق واسعة من شرق السودان بالفيضانات. تشير التقارير إلى أن أكثر من 32 ألف شخص تأثروا بالأمطار الغزيرة في شرق السودان، حيث تضررت 190 خيمة تأوي النازحين في مدينة كسلا، إلى جانب 33 مدرسة والمرافق الصحية والمراحيض العامة التي تضررت بشدة جراء الأمطار. كما تسببت الأمطار في فقدان كميات كبيرة من مخزونات الغذاء، مما يفاقم الوضع الإنساني في المنطقة.
الاستغاثات والمناشدات
أطلق أهالي المنطقة استغاثة عاجلة للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لإنقاذهم وتقديم المساعدات اللازمة لمواجهة هذه الكارثة. كما ناشدوا الحكومة السودانية ومجلس السيادة للتدخل السريع، حيث أن الوضع يتدهور مع مرور الوقت وسط استمرار هطول الأمطار وتفاقم الأزمة الإنسانية.
هذه الكارثة تسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى تخطيط أفضل وإدارة الموارد المائية والبنية التحتية في مواجهة التغيرات المناخية المتزايدة، والتي قد تستمر في التأثير على المنطقة بشكل كبير في السنوات القادمة.