أعلنت قوات الدعم السريع، في بيان رسمي، سيطرتها الكاملة على أربع مناطق وصفتها بـ”الاستراتيجية” في إقليم كردفان، وهي: الدبيبات، الحمادي، الخوي، وأم صميمة، وذلك ضمن ما اعتبرته “مرحلة حاسمة” في العمليات العسكرية الجارية ضد القوات المسلحة السودانية، وقالت القوات في بيانها إن العملية العسكرية الأخيرة أسفرت عن مقتل أكثر من 2300 من عناصر الجيش والقوات المساندة له، فضلاً عن الاستيلاء على أكثر من 300 عربة عسكرية مكتملة التسليح، من بينها دبابات ومدرعات ومدافع ثقيلة، كما لم يصدر أي تعليق رسمي من القيادة العامة للجيش السوداني حتى لحظة نشر التقرير.
فإن المعارك في المناطق المذكورة استمرت لساعات طويلة، وسط استخدام مكثف للأسلحة الثقيلة والغارات البرية، ما أدى إلى موجة نزوح جديدة للسكان المدنيين، لا سيما من محيط بلدة الدبيبات التي تُعد من أبرز مراكز الثقل في جنوب كردفان، وتشير تقارير ميدانية إلى أن السيطرة على هذه المناطق قد تمنح قوات الدعم السريع ميزة استراتيجية في التحرك نحو ولايات أخرى تقع تحت سيطرة الجيش، وتزيد من الضغوط على خطوط إمداده في النيل الأبيض ووسط البلاد.
حتى الآن، لم يصدر الجيش السوداني أي رد مباشر على بيان قوات الدعم السريع، كما لم تُقدّم السلطات الحكومية في بورتسودان أي توضيحات أو بيانات حول الوضع الميداني في كردفان، ويعكس هذا الصمت الرسمي، بحسب مراقبين، حالة من الارتباك في القيادة العسكرية، في ظل تواتر أنباء عن خسائر متكررة في عدد من الجبهات.
تعود جذور النزاع الحالي إلى منتصف أبريل 2023، عندما اندلع القتال بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وعلى مدار أكثر من عام، اتسعت رقعة المعارك لتشمل العاصمة الخرطوم، وأقاليم دارفور وكردفان، وأجزاء من ولايات الشرق، ووفق أحدث تقارير الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى منذ بداية الحرب 20 ألف شخص، فيما نزح نحو 15 مليون مدني من منازلهم، داخل السودان وخارجه، ما يجعل النزاع من بين أكبر الأزمات الإنسانية في العالم حالياً، لكن دراسة أكاديمية حديثة، أجرتها مجموعة من الباحثين في جامعات أمريكية، قدّرت عدد القتلى الفعلي بنحو 130 ألف شخص، في ظل غياب نظام رسمي لجمع بيانات الضحايا.
تعيش العديد من المناطق السودانية، وخاصة تلك القريبة من خطوط الاشتباك، أوضاعاً إنسانية مأساوية، مع تراجع الخدمات الطبية وانهيار البنية التحتية، وتفيد منظمات الإغاثة بأن 70% من المستشفيات العامة أصبحت خارج الخدمة، فيما تواجه قوافل المساعدات الإنسانية صعوبات كبيرة في الوصول إلى المناطق المتأثرة، خاصة مع تزايد حالات العنف ضد طواقم الإغاثة، وقد أعربت منظمات أممية ودولية عن قلقها من التصعيد الأخير في كردفان، محذرة من أن اتساع رقعة المعارك سيؤدي إلى مزيد من الانهيار في الوضع الإنساني، ويدفع مزيداً من السكان نحو النزوح الجماعي إلى دول الجوار مثل تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.
في ظل هذا التصعيد، تبقى فرص الحل السياسي بعيدة المنال، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بعرقلة مسارات التفاوض، ويرى مراقبون أن استمرار المعارك، واتساعها لتشمل مناطق جديدة، قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للبلاد، أو على الأقل إلى واقع ميداني يصعب تجاوزه دون تدخل دولي حاسم.