في خطوة تعكس اهتمام المؤسسات العدلية السودانية بتطوير الأداء القانوني وتعزيز التزامها بالمعايير الدولية، نظمت النيابة العامة السودانية، ممثلة في إدارة التعاون الدولي وحقوق الإنسان، اليوم بمدينة بورتسودان، الورشة التدريبية الثانية حول القانون الدولي الإنساني، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعثة السودان (ICRC)، تأتي هذه الورشة في توقيت بالغ الأهمية، في ظل استمرار النزاع المسلح في البلاد وتزايد الحاجة إلى بناء قدرات الأجهزة العدلية في التعامل مع الانتهاكات المرتبطة بحقوق الإنسان وأحكام القانون الدولي الإنساني، وخاصة ما يتعلق بحماية المدنيين أثناء النزاعات.
حضر الجلسة الافتتاحية كل من مساعد النائب العام مولانا أحمد علي المتكسي، ونائب رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان، إلى جانب عدد من وكلاء النيابة والمستشارين القانونيين والمشاركين في الدورة التدريبية، وأعرب نائب رئيس بعثة الصليب الأحمر، في كلمته، عن تقديره للتعاون القائم مع النيابة العامة، مشدداً على أهمية هذا النوع من الورش في رفع وعي الكوادر العدلية بالقوانين الدولية، وتعزيز ثقافة احترام القانون الإنساني داخل المؤسسات الرسمية.
وفي كلمته، عبّر مساعد النائب العام، مولانا أحمد علي المتكسي، عن شكره للجنة الدولية للصليب الأحمر على دعمها الفني والمعرفي، مشيراً إلى أن النيابة العامة تُدرك أهمية هذا التدريب في ترسيخ الفهم السليم للقانون الدولي الإنساني في عمل النيابة، خاصة في ظل الوضع الأمني والإنساني المعقد الذي تشهده البلاد، وأكد المتكسي أن النيابة العامة حريصة على تعزيز قدرات أعضائها ومواكبة المستجدات القانونية الدولية، مشدداً على أن حماية المدنيين والامتثال للمعايير الدولية في أوقات النزاع يمثل أولوية وطنية وأخلاقية.
تمتد الورشة لمدة يومين، وتشمل تقديم عدد من الأوراق العلمية والمحاضرات المتخصصة، تتناول المفاهيم الأساسية للقانون الدولي الإنساني، والتمييز بين القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وآليات حماية المدنيين، والمسؤوليات القانونية لأعضاء النيابة أثناء النزاعات المسلحة، ويشارك في تقديم الأوراق محاضرون متخصصون من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وخبراء قانونيون من السودان، في إطار برنامج يستهدف إحداث نقلة نوعية في كفاءة النيابة العامة في التعامل مع قضايا النزاع والانتهاكات الإنسانية.
تأتي هذه الورشة في وقت تواجه فيه البلاد واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية منذ عقود، مما يجعل من تطوير كفاءة الأجهزة العدلية والرقابية شرطاً ضرورياً لتفعيل المحاسبة ومنع الإفلات من العقاب، وتعزيز دور القانون في معالجة آثار النزاعات، ويرى مراقبون أن مثل هذه المبادرات تُمثل خطوات مهمة نحو بناء منظومة عدلية تواكب الالتزامات الدولية للسودان، وتؤسس لثقافة قانونية تحترم كرامة الإنسان، حتى في أحلك ظروف الحرب.
تطمح النيابة العامة من خلال هذه الورشة إلى أن تُشكل نموذجاً يُحتذى في التعاون مع المنظمات الدولية، والانتقال من الإطار النظري إلى التطبيق العملي لمبادئ القانون الدولي الإنساني في البيئة العدلية السودانية، ومن المتوقع أن تسهم مخرجات الورشة في رفع وعي أعضاء النيابة، وتوسيع دائرة الفهم القانوني المرتبط بالنزاعات، بما يضمن تعزيز سيادة القانون، واحترام الحقوق، وحماية المدنيين في مختلف مناطق النزاع بالبلاد.