بعد أكثر من أربعين يوماً من انقطاع التيار الكهربائي عن الولاية الشمالية، أعلنت شركة كهرباء السودان عن التوصل إلى اتفاق رسمي مع جمهورية مصر العربية، يهدف إلى زيادة حصة الكهرباء الموردة للمنطقة عبر خط الربط الكهربائي بين البلدين، في خطوة وُصفت بأنها “ضرورية وعاجلة” لتخفيف تداعيات الأزمة الخانقة التي شلت الحركة الاقتصادية والخدمية في واحدة من أهم ولايات السودان الزراعية، بدأت الأزمة في مطلع أبريل الماضي عندما تعرضت محطة سد مروي ومحطات التوليد الكهربائية في دنقلا لهجمات بطائرات مسيّرة، ما أسفر عن تدمير جزئي للبنية التحتية الكهربائية وتوقف شامل للإمداد عن كامل الولاية.
هذه الهجمات فاقمت من معاناة المواطنين، وأدت إلى شلل شبه تام في المشاريع الزراعية والصناعية، وامتدت آثارها إلى المستشفيات والمراكز الطبية، والأسواق، والمخابز، وخدمات المياه، مما دفع مواطني الولاية إلى تنظيم حملات ومناشدات مكثفة لإيجاد حل عاجل ومستدام.
وفقاً لبيان مجلس التنسيق الإعلامي لشركة كهرباء السودان، جاء هذا الاتفاق نتيجة مشاورات رسمية مكثفة أجراها وزير الطاقة والنفط السوداني، محي الدين نعيم محمد سعيد، مع وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، محمود عصمت، في القاهرة، الاتفاق تضمن زيادة فورية لحصة الكهرباء الموردة عبر مشروع الربط الكهربائي الذي أُنجزت مرحلته الأولى في عام 2019، ويبلغ طوله على الجانب المصري نحو 100 كيلومتر، بينما يبلغ على الجانب السوداني حوالي 70 كيلومتراً، وكانت المرحلة الأولى تهدف إلى تزويد السودان بقدرة تصل إلى 70 ميغاواط، فيما تستهدف المرحلة الثانية رفع الإمداد إلى 300 ميغاواط، وهو ما يمثل دفعة قوية لإمدادات الكهرباء في مناطق تعاني من تدهور البنية التحتية وغياب مصادر بديلة موثوقة.
وفي بيان توضيحي، أعلن عبد الله أحمد محمد علي، المدير العام لشركة كهرباء السودان، أن التيار الكهربائي بدأ يعود تدريجياً منذ مساء أمس إلى أجزاء من الولاية الشمالية، مؤكداً أن التوزيع سيتم وفقاً لمبدأ العدالة والبرمجة الزمنية بما يتناسب مع الكميات المتاحة، وأشار إلى أن الشركة وضعت خطة تشغيل مرحلية، تعتمد على ترشيد الاستهلاك في المرحلة الحالية، مع التزامها الكامل بمواصلة الجهود الفنية والهندسية لضمان استقرار دائم للإمداد الكهربائي.
يرى مراقبون أن هذا الاتفاق لا يعالج فقط أزمة محلية عابرة، بل يعكس أهمية التعاون الإقليمي بين السودان ومصر في مجالات البنية التحتية والطاقة، خاصة في ظل هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية في السودان، وحاجة الولايات المنتجة مثل الشمالية إلى استقرار الطاقة لضمان الموسم الزراعي واستمرارية المشاريع الإنتاجية، كما يشير إلى إمكانية تطوير نموذج الربط الكهربائي ليشمل ولايات أخرى تعاني من انقطاعات متكررة، وفتح آفاق جديدة لدمج السودان في منظومة الطاقة الإقليمية، بما يسهم في التقليل من الاعتماد على التوليد المحلي الذي بات هدف في الصراع المسلح.
في بلد تعصف به أزمات سياسية وأمنية حادة، يصبح التيار الكهربائي أكثر من مجرد خدمة تقنية؛ إنه مؤشر على الحد الأدنى من الاستقرار، وركيزة لاستمرار الحياة، سواء في الحقل أو في المستشفى أو في المدرسة، وفي هذا السياق، يُعد الاتفاق السوداني المصري خطوة بالغة الأهمية، لكنها في الوقت ذاته تُحمّل الحكومة مسؤولية مواصلة العمل على تحصين البنية التحتية، وضمان عدم تكرار الانقطاع، والاستعداد لأي سيناريوهات طارئة قد تهدد أمن الطاقة في المستقبل.