بدأ آلاف السودانيين المقيمين في مصر، العودة إلى وطنهم، على وقع التطورات العسكرية الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي تمثلت في استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم، في مؤشر اعتبره كثيرون تحولاً في مسار الحرب المستمرة منذ أبريل 2023.
ووفقاً لتقارير رسمية، فقد تضاعفت أعداد الرحلات البرية المغادرة من مصر إلى السودان خلال الأيام الماضية، حيث تم رصد تكدس كبير للحافلات عند المعابر الحدودية، وتحديداً في منطقتي أرقين وأشكيت، وهما المنفذان البريان الرئيسيان بين البلدين.
قال محمد سليمان، مؤسس مبادرة “راجعين لبلد الطيبين”، وهي مبادرة للعودة الطوعية بدعم من السفارة السودانية بالقاهرة، إن عدد الحافلات اليومية ارتفع إلى أكثر من 200 حافلة، تُقل ما يقرب من 10 آلاف سوداني، مع تسهيلات مصرية ملحوظة في الإجراءات، من بينها السماح بعبور الحافلات من القاهرة حتى وادي حلفا شمال السودان، دون الحاجة لتبديل وسائل النقل على الحدود. وأضاف سليمان أن رحلات العودة تنطلق من محافظات القاهرة والإسكندرية والأقصر، ويتم تنظيمها وفق قوائم انتظار مرتبة بالأولوية، نظراً للطلب الكبير على العودة في هذه المرحلة. وأشار إلى أن السلطات المصرية والسودانية وافقتا على مرور الحافلات مباشرة إلى الداخل السوداني لتقليل التكدس على الحدود.
رغم التسهيلات الحدودية، شهدت مدينة وادي حلفا في شمال السودان، تكدساً لآلاف العائدين، نتيجة نقص في الحافلات التي تنقلهم إلى الولايات الأخرى. ودعا أبو عبيدة ميرغني، المدير التنفيذي لمحلية حلفا، إلى ضرورة تنسيق جهود العودة الطوعية مع السلطات السودانية، لضمان سلاسة التنقل الداخلي وتفادي الأزمات الخدمية.
أفاد الباحث السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، بأن السلطات المصرية قدمت تسهيلات شملت السماح بعودة السودانيين الذين دخلوا البلاد بطرق غير قانونية. وذكر أن عدداً من الأسر السودانية بدأت بالفعل العودة إلى ولايات الخرطوم والجزيرة، خاصة مع شعورها بأن الأوضاع الأمنية بدأت تستقر تدريجياً. كما أشار إلى أن كثيراً من هذه الأسر كانت تمتلك ممتلكات وأعمالاً تجارية في السودان، وأن ما شجعها على العودة أيضاً هو إغلاق المدارس السودانية في مصر بقرار من الحكومة المصرية، الذي استثنى فقط مدرسة الصداقة التابعة للسفارة السودانية من القرار.
بالتوازي مع الرحلات البرية، أعلنت شركة الخطوط الجوية السودانية (سودانير) عن مبادرة للعودة الطوعية تشمل تخفيضات بنسبة 50% على تذاكر العودة إلى بورتسودان، إلى جانب تذاكر مجانية لأبناء الشهداء، مما فتح باب العودة أيضاً جواً لمن يستطيع تحمل التكاليف جزئياً.
أكد محمد سليمان أن المبادرة التي يديرها تتلقى دعماً مباشراً من رجال أعمال سودانيين، خاصة لتوفير الرحلات المجانية لغير القادرين، في إطار جهود أهلية موازية للدور الرسمي، مشيراً إلى أن التنسيق مع السفارة السودانية كان عاملاً أساسياً في إنجاح تنظيم هذه الرحلات.
رغم التحديات، تبدو عودة آلاف السودانيين من مصر إلى وطنهم مؤشراً على تغير المزاج العام تجاه الحرب، وعودة الأمل في إمكانية الاستقرار. وبينما تظل العودة محفوفة بالمخاطر والتحديات الخدمية والأمنية، فإنها في الوقت ذاته رسالة قوية بأن السودانيين ما زالوا متمسكين بالعودة وإعادة بناء وطنهم بأيديهم.