أثار قرار إعفاء وزير الخارجية السوداني، د. علي يوسف، من منصبه دون إصدار بيان رسمي أو توضيح للأسباب، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، في ظل غياب الحيثيات وتنامي التأويلات حول أسباب ودلالات القرار، واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تعكس تراجعاً واضحاً في الالتزام بمعايير الشفافية وحق الرأي العام في معرفة كيفية إدارة الشأن العام، خاصة فيما يتعلق بواحدة من أهم المؤسسات السيادية في البلاد.
ويكتسب قرار إعفاء وزير الخارجية أهمية خاصة بالنظر إلى طبيعة الوزارة ودورها في تمثيل السودان على الساحة الدولية، وعادة ما تترافق مثل هذه القرارات مع بيانات توضيحية تحمل رسائل للداخل والخارج، تسهم في رسم ملامح السياسة الخارجية، إلا أن غياب ذلك في هذه الحالة أتاح المجال لتكهنات متزايدة حول وجود تغيرات محتملة في توجهات الدولة أو في آلية إدارة ملف العلاقات الدولية.
ويشير مراقبون إلى أن تكرار حالات إعفاء وزراء الخارجية خلال السنوات الأخيرة، من دون تفسيرات رسمية واضحة، أضعف من أداء الدبلوماسية السودانية، في وقت تمر فيه البلاد بتعقيدات سياسية وأمنية تتطلب حضوراً فاعلاً ومدروساً في الساحة الإقليمية والدولية، كما يُلاحظ أن القيادة السيادية في البلاد، وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة، دأبت على إدارة جزء كبير من العلاقات الخارجية بشكل مباشر، غالباً عبر زيارات خارجية ولقاءات ثنائية، أحياناً دون مشاركة وزير الخارجية، وفي ظل الأوضاع الحالية، يرى متابعون أن ترك ملف السياسة الخارجية في يد دائرة ضيقة من المؤسسة السيادية يضعف قدرة الدولة على التفاعل مع التحديات الخارجية بشكل مؤسسي، في وقت يتطلب فيه السودان بناء شبكة علاقات خارجية متوازنة تخدم مصالحه الوطنية.
وتبقى الأسئلة مفتوحة حول من يتولى فعلياً إدارة ملف السياسة الخارجية، خاصة مع الإشارة إلى أن الإشراف المباشر على وزارة الخارجية يقع ضمن اختصاص أحد أعضاء مجلس السيادة، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذا “الإشراف” وما إذا كان يتعدى التنسيق إلى السيطرة التنفيذية، بما يقلص دور الوزير والمؤسسة الدبلوماسية بكاملها، ويرى خبراء أن استمرار هذا النمط في إدارة السياسة الخارجية يهدد بإبعاد السودان عن فرص رسم علاقات خارجية فاعلة ويعزز حالة الارتباك في تحديد المواقف الاستراتيجية، خاصة في ظل الأزمات الداخلية والتأثيرات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بالبلاد.