في ظل ظروف صحية وإنسانية متدهورة، أطلقت غرفة طوارئ شرق النيل تحذيرات قوية من تصاعد حالات الإصابة بوباء الكوليرا، مؤكدة تسجيل إصابات مؤكدة داخل مراكز العزل بالمستشفيات في المنطقة، ما ينذر بتفشي واسع إذا لم يتم التدخل العاجل، تأتي هذه التحذيرات في وقت يشهد فيه السودان عامة وولاية الخرطوم بشكل خاص تراجعاً خطيراً في الخدمات الصحية، نتيجة الحرب المستمرة التي دمّرت البنية التحتية وأضعفت قدرة المستشفيات على الاستجابة، خاصة في مناطق الأطراف مثل شرق النيل، التي تعاني من اكتظاظ سكاني وشح في الخدمات الأساسية.
بعد شهور من انتشار الكوليرا في عدد من ولايات السودان، يبدو أن شرق النيل أصبحت بؤرة جديدة للمرض، وسط بيئة مواتية لتفشيه، تشمل نقص مياه الشرب النظيفة، وغياب منظومة صرف صحي فعالة، وضعف الرقابة على الأغذية المكشوفة والمياه الملوثة، وأفادت غرفة الطوارئ بأنها رصدت ارتفااًع ملحوظاً في عدد الإصابات المسجلة في مراكز العزل الطبية، محذرة من أن الأرقام قد تكون أعلى من المعلن بسبب ضعف منظومة التبليغ وتردد بعض السكان في التوجه إلى المستشفيات.
استجابة لهذا الوضع المقلق، أعلنت غرفة الطوارئ عن إطلاق حملة توعوية مجتمعية شاملة، تهدف إلى الحد من انتشار الكوليرا من خلال رفع وعي السكان حول طرق الوقاية والعناية الصحية الأساسية، وتغطي الحملة المدارس، الأحياء السكنية، الأسواق، ودور العبادة، وتشارك فيها فرق تطوعية محلية، وتركّز الرسائل التوعوية على أهمية غسل اليدين، استخدام مياه نظيفة، وتجنب تناول الأطعمة المكشوفة، إلى جانب الحث على التبليغ المبكر عن الأعراض، التي تشمل الإسهال الشديد والجفاف والقيء، وهي أعراض تستدعي تدخلاً طبياً فورياً.
تتزامن هذه التطورات مع ضعف حاد في قدرات النظام الصحي، نتيجة تدمير أو تعطيل عدد كبير من المرافق الطبية، وهجرة الكوادر الصحية بسبب الحرب، هذا الواقع يجعل من الوقاية والتوعية خط الدفاع الأول، في ظل صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية الكاملة في كثير من المناطق، كما أن الانقطاع المتكرر للكهرباء، ونقص الأدوية والمحاليل الوريدية، وغياب مراكز صحية في بعض القرى، كلها عوامل تضاعف من مخاطر انتشار الكوليرا وتحوّله إلى أزمة صحية واسعة النطاق.
ختمت غرفة طوارئ شرق النيل دعوتها بتأكيد ضرورة التكافل المجتمعي في مواجهة هذه المرحلة، مطالبة الأهالي بالتعاون مع الفرق الطبية والتطوعية، والالتزام بالإجراءات الوقائية، في وقت أصبح فيه المواطن هو خط الدفاع الأساسي أمام الأمراض في ظل الغياب شبه الكامل للدولة، وتبقى أعين السكان معلّقة على جهود التوعية والوقاية، وسط تساؤلات ملحة: هل تستطيع منطقة شرق النيل احتواء المرض قبل أن يخرج عن السيطرة؟ وهل تتدخل الجهات المعنية إقليمياً ودولياً لدعم السودان في هذه المعركة الصحية الصامتة؟.