أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن مؤشرات مقلقة لانتشار وبائي خطير لمرض الكوليرا في ولاية الخرطوم، في ظل تدهور شامل للبنية الصحية وتفاقم الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحرب المستمرة في السودان، وأكدت المنظمة، في بيان رسمي صدر اليوم، تسجيل ما يقارب 500 حالة يُشتبه بإصابتها بالكوليرا خلال يوم واحد فقط في مناطق متفرقة من العاصمة، ما يشير إلى بداية موجة تفشٍّ حادة تهدد حياة آلاف السكان، وبحسب البيان، فإن الكوادر الطبية التابعة للمنظمة تعمل في ظروف شديدة الصعوبة بالتنسيق مع وزارة الصحة السودانية، من أجل احتواء هذا التفشي من خلال تقديم الرعاية الطارئة للمرضى، وإقامة مراكز مؤقتة للعزل الطبي، إضافة إلى حملات توعية تستهدف المجتمعات الأكثر عرضة للإصابة.
وأكدت “أطباء بلا حدود” أن جزءاً كبيراً من الإصابات تم تسجيله في أحياء تفتقر إلى شبكات المياه النظيفة، وسط انهيار كامل لخدمات الصرف الصحي، في ظل انقطاع الإمدادات الطبية والدوائية بسبب الحرب، ولفتت المنظمة إلى أن غياب الاستجابة الحكومية الفاعلة وصعوبة الوصول الإنساني إلى مناطق النزاع قد يؤديان إلى مضاعفة أعداد الإصابات خلال الأيام المقبلة، ما لم يتم التحرك بشكل عاجل وفوري.
وتعاني ولاية الخرطوم، كسائر ولايات السودان، من تدهور خطير في النظام الصحي نتيجة الحرب التي اندلعت في أبريل 2023، حيث أُغلقت عشرات المستشفيات والمراكز الصحية أو أصبحت خارج الخدمة بفعل الدمار أو انعدام الكوادر الطبية، في وقت تواجه فيه البلاد موجات نزوح حادة ونقصاً حاداً في مياه الشرب، مما يوفر بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية، وتُعد الكوليرا من الأمراض الوبائية السريعة الانتشار، وتنجم عن التلوث البكتيري للمياه والغذاء، وإذا لم تُعالج بشكل فوري، قد تؤدي إلى الوفاة بسبب الجفاف الشديد، وتزيد الكثافة السكانية، ورداءة الخدمات الأساسية، من سرعة انتشار المرض، خاصة في ظل النزاع الحالي الذي فاقم هشاشة النظام الصحي في السودان.
دعت منظمة “أطباء بلا حدود” كافة الجهات المعنية، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والهيئات الإنسانية الدولية، إلى التحرك العاجل لتقديم الدعم اللوجستي والطبي، وطالبت بتمويل سريع لتأمين الأدوية والمحاليل الوريدية وأدوات الوقاية، بالإضافة إلى دعم الفرق الطبية في الميدان، وأكدت أن الاستجابة الحالية لا تزال دون المستوى المطلوب، في ظل حجم الكارثة المتوقعة إذا لم يتم احتواء التفشي، خصوصاً مع تزايد حالات النزوح الداخلي من مناطق النزاع نحو العاصمة، ما يزيد الضغط على ما تبقى من مراكز علاجية.
وفي ظل تصاعد وتيرة الحرب وغياب أي مؤشرات على تسوية قريبة، يُخشى أن تتحول أزمة الكوليرا إلى وباء واسع النطاق يتجاوز ولاية الخرطوم ليصل إلى ولايات أخرى، لا سيما أن قدرات الرصد الوبائي باتت محدودة بفعل الصراع المستمر، ويأتي هذا التحذير في سياق تحذيرات متكررة أطلقتها منظمات دولية من انهيار المنظومة الصحية في السودان، مؤكدة أن ملايين السكان باتوا مهددين بالأمراض وسوء التغذية وانعدام الخدمات الصحية الأساسية، وفي وقت لا تزال فيه الحكومة السودانية تعاني من شلل إداري واسع النطاق بفعل الحرب، يبقى عبء مواجهة الأزمة ملقى على عاتق المنظمات الإنسانية العاملة في ظروف بالغة الخطورة.
مع تزايد عدد الإصابات وتراجع القدرة على الاستجابة، يواجه السودان واحدة من أخطر موجات الكوليرا في تاريخه الحديث، وفي ظل الانهيار الصحي الذي تعيشه العاصمة الخرطوم، تحذر أطباء بلا حدود من أن الوقت بدأ ينفد، وأن أي تأخير في التدخل قد يحوّل الأزمة إلى كارثة صحية يصعب السيطرة عليها.