شهدت مناطق جنوب وغرب كردفان في الأيام الماضية تطورات ميدانية متسارعة على خلفية الاشتباكات المتجددة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى موجة جديدة من النزوح وتصعيد لافت في العمليات العسكرية، وسط أوضاع إنسانية متدهورة، وأكدت المنظمة الدولية للهجرة نزوح ما لا يقل عن 565 أسرة من مدينة الدبيبات الواقعة بمحلية القوز في جنوب كردفان، وذلك يوم الجمعة، عقب اندلاع معارك عنيفة داخل المدينة ومحيطها، النزوح المفاجئ يأتي في وقت تعاني فيه الولاية من نقص حاد في الخدمات الإنسانية، ما يُنذر بكارثة متفاقمة، خاصة في ظل ضعف إمكانات الإيواء والاستجابة السريعة.
وأعلنت القوات المسلحة السودانية بسط سيطرتها الكاملة على مدينة الدبيبات بعد معارك وُصفت بالعنيفة، استمرت لعدة أيام، وتمكنت خلالها من طرد قوات الدعم السريع التي انسحبت باتجاه منطقتي الدبكر وأبو زبد بولاية غرب كردفان، العملية العسكرية، وفق إفادات ميدانية، تهدف إلى فتح الطريق البري الرابط بين مدينتي الأبيض والدلنج، والذي ظل مغلقاً منذ بداية الحرب، ما تسبب في عزل العديد من المناطق الريفية وقطع خطوط الإمداد والاتصال بين شمال وجنوب كردفان.
وفي تطور لافت يعكس تصعيداً في طبيعة المواجهة، شنت القوات المسلحة السبت هجمات جوية بطائرات مسيرة استهدفت مواقع لقوات الدعم السريع في الدبكر وأبو زبد، وتعد هذه العمليات الجوية من أقوى مؤشرات التحول في التكتيك القتالي، خاصة في المناطق ذات الطبيعة الجغرافية الوعرة والتي يصعب السيطرة عليها براً، في صباح الأحد، تداولت وسائل إعلام محلية ومواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر جنوداً من القوات المسلحة يعلنون سيطرتهم على منطقة “حفيرة سدو” شمال مدينة المجلد، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية في محور غرب كردفان، هذا التقدم يُعتبر جزءاً من عملية أوسع تهدف إلى تأمين الحزام الغربي في ظل انهيار خطوط التماس القديمة وتغير الخريطة الميدانية للنزاع.
مع هذه التطورات، تشهد المنطقة تدهوراً مقلقاً في الوضع الإنساني، حيث أدى النزوح من الدبيبات، إلى جانب معارك سابقة في مناطق أخرى من كردفان، إلى ارتفاع أعداد الأسر النازحة وتفاقم الأوضاع في مراكز الإيواء المؤقتة، وتشير تقارير إلى نقص في الغذاء، وندرة في الأدوية، إلى جانب صعوبات في الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، وفي ظل استمرار العمليات، باتت القرى الواقعة على خطوط التماس عرضة لانعدام الخدمات وغياب الأمن، ما يُهدد بانفجار أزمة نزوح أكبر، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يفاقم هشاشة البيئة الصحية والبنية التحتية.
تؤشر العمليات الجارية في جنوب وغرب كردفان إلى توسّع رقعة النزاع المسلح وتعقيد الخريطة العسكرية والسياسية في الإقليم، في وقت تزداد فيه مخاوف المنظمات الإنسانية من انهيار الوضع المدني في تلك المناطق، ويطرح استمرار العمليات العسكرية في مناطق آهلة بالسكان تحدياً حقيقياً أمام جهود الإغاثة، وسط غياب حل سياسي شامل يضع حداً لتفاقم الصراع وتبعاته على المدنيين، الذين يجدون أنفسهم مرة أخرى في قلب المعارك دون حماية أو مخرج آمن.