الكوليرا تضرب أم درمان بقوة: تصاعد الوفيات واكتظاظ مراكز العلاج ونقص في الإمدادات الصحية

4 Min Read

تعيش مدينة أم درمان، إحدى أكبر مدن العاصمة السودانية، حالة طوارئ صحية غير معلنة، في ظل تفشي خطير لوباء الكوليرا، حيث تزايدت أعداد الإصابات والوفيات بشكل يومي، وسط تردي كبير في البنية التحتية الصحية، وعجز واضح في مراكز العلاج عن استيعاب تدفق المرضى، وتزامناً مع تصاعد الأوضاع، أبلغ متطوعون ونشطاء ميدانيون عن أوضاع إنسانية صعبة داخل عدد من مراكز العزل، على رأسها مستشفى النو، الذي أصبح الوجهة الأساسية للمصابين في المدينة، فيما يتسع نطاق العدوى ليشمل مناطق جديدة يوماً بعد يوم.

وأن معدل الوفيات الناتجة عن الكوليرا يشهد ارتفاعاً يومياً، حيث رُصد ما لا يقل عن 20 حالة وفاة يومياً على مدار الأيام الثلاثة الأخيرة داخل مركز مستشفى النو وحده، في ظل غياب أي إعلان رسمي من الجهات الصحية حول الأرقام الدقيقة، حيث يفترش عدد من المرضى الأرض في الساحات الخارجية، ويتلقى آخرون العلاج تحت خيام مؤقتة، بينما يتولى مرافقو المرضى مهام تثبيت المحاليل الوريدية بسبب نقص الطاقم والمعدات.

الظروف البيئية المحيطة بالمركز ساهمت في تفاقم الوضع، حيث لوحظ انتشار الفضلات بشكل مكشوف، ونقص في إجراءات التعقيم، في ظل ضعف واضح في الدعم اللوجستي، وغياب مستلزمات النظافة الأساسية، وتشير التقارير إلى أن السبب المباشر لانتشار الكوليرا في المدينة يعود إلى توقف محطات المياه بعد قصف ثلاث محطات كهرباء رئيسية، ما أجبر آلاف السكان على اللجوء إلى مصادر مياه غير آمنة، مثل الآبار السطحية أو مياه النيل غير المعالجة.

وبدا انتشار المرض من أحياء أم درمان القديمة، التي استقبلت أعداداً كبيرة من نازحي منطقة الصالحة، قبل أن يمتد إلى محلية كرري ومناطق أخرى، بما فيها أحياء في شمال المدينة مثل الجزيرة إسلانج، حيث ظهرت إصابات في مراكز مثل الضو حجوج والشيخ الطيب، وأُبلغ عن وجود عدد من المقاتلين والجنود ضمن المصابين، ما يثير القلق بشأن احتمالية انتقال العدوى داخل الوحدات العسكرية أو المخيمات المكتظة.

رغم جهود وزارة الصحة ومنظمة أطباء بلا حدود، لا تزال الإمدادات الطبية غير كافية لتغطية الاحتياجات، وأفاد مرافقو المرضى بأنهم يتحملون تكاليف المحاليل الوريدية جزئياً أو بالكامل، ما يزيد من الضغط على الأسر، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، وأعلن الصندوق القومي للإمدادات الطبية في وقت سابق عن إرسال 120 طناً من الأدوية والمحاليل، مع خطط لإرسال 30 طناً إضافية، فيما قدمت منظمة الصحة العالمية نحو 15 طناً من الإمدادات، يُفترض أن تكفي لعلاج 58 ألف مريض، لكن توزيعها لم يصل بعد إلى جميع المراكز المتأثرة.

في تطور لافت، أعلن سكان الحارة الثامنة عن نيتهم تنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة بنقل مركز العزل من منطقتهم، بعد تسجيل أربع حالات إصابة داخل الحي، وأن سكان الحي أبلغوا إدارة المركز بمخاوفهم من انتشار المرض، مؤكدين أنهم لن يصمتوا أمام “تهديد مباشر لصحة المجتمع المحلي”، كما لوحظت حملات تبرع شعبية في محيط المستشفى لجمع تكاليف نقل الجثامين أو شراء الأدوية، في ظل غياب مركبات إسعاف كافية وارتفاع تكاليف الدفن، حيث تم رصد جثة لسيدة ملقاة عند مدخل مركز النو دون استجابة فورية.

الوضع المتدهور دفع عدداً من الجهات الإنسانية والمتطوعين إلى مناشدة وزارة الصحة الاتحادية وشركائها الدوليين إلى رفع مستوى الاستجابة الصحية، وضمان توفير إمدادات طبية عاجلة، وتحسين بيئة مراكز العزل، مع تفعيل آليات الوقاية المجتمعية وتوسيع دائرة التوعية، ويحذر خبراء من أن تأخر التدخل قد يؤدي إلى خروج الوضع عن السيطرة، في ظل قابلية الكوليرا للانتشار السريع، وغياب منظومة صرف صحي فعّالة في عدد من مناطق ولاية الخرطوم.

تشير مجريات الأحداث إلى أن أم درمان تواجه إحدى أخطر موجات الكوليرا خلال السنوات الأخيرة، ما يستدعي استجابة طارئة من الجهات المعنية، ومنظمة الصحة العالمية، والشركاء المحليين والدوليين، وبينما يبذل الطاقم الطبي والمتطوعون جهوداً مضنية، فإن الموارد المحدودة والتدهور البيئي والضغط على المرافق الصحية يجعل المعركة مع الوباء أكثر تعقيداً.

Share This Article