أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان قراراً بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم التي وردت عن استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية خلال العمليات العسكرية في ما يُعرف بحرب الكرامة، القرار يأتي في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية، خاصة بعد إعلان الإدارة الأمريكية نيتها فرض عقوبات على السودان بموجب قانون الرقابة على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، استناداً إلى مزاعم تفيد باستخدام مواد محظورة ضد قوات ومناطق تابعة للخصوم العسكريين.
ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية السودانية، فإن اللجنة الوطنية ستضم في عضويتها ممثلين من ثلاث جهات رئيسية: وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وجهاز المخابرات العامة، وهي الجهات الأكثر صلة بالقضية من النواحي الدبلوماسية، الأمنية، والفنية، وستكلف اللجنة بجمع المعلومات، والتقصي عن الحقائق، وتحليل المعطيات المتوفرة داخلياً وخارجياً، ورفع تقرير شامل وعاجل إلى الجهات المختصة في الدولة.
وأكد البيان أن تشكيل اللجنة يأتي “التزاماً من السودان بالاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية”، مضيفاً أن الحكومة السودانية تتبنى “نهج الشفافية” في التعامل مع مثل هذه الادعاءات، لكنها في ذات الوقت ترى أن “الاتهامات الأمريكية تفتقر إلى الأدلة الموثقة أو التحقيقات المستقلة”.
وزارة الخارجية شددت في بيانها على أن السودان ينفي حتى الآن صحة هذه الاتهامات، مؤكدة أن الحكومة “لا ترى ما يدعمها من الناحية الواقعية أو القانونية”، وأشارت إلى أن الخرطوم لا تعتبر المزاعم مجرد اختلاف سياسي، بل قضية تتطلب تعاملاً جاداً مبنياً على القانون الدولي، والحفاظ على صورة السودان أمام الرأي العام الدولي، وأضاف البيان أن السودان، كدولة عضو في المجتمع الدولي، يعترف بحق المؤسسات الأممية والدولية في التقصي والمتابعة، لكنه في المقابل يرفض “الاستهداف السياسي أو إطلاق الاتهامات دون أدلة”.
القرار الحكومي بتشكيل اللجنة الوطنية لاقى ردود فعل متباينة، بعض الأطراف المحلية اعتبرته خطوة ضرورية تعزز مصداقية السودان أمام المجتمع الدولي، بينما يرى آخرون أن الأمر يجب أن يُستتبع بدعوة خبراء دوليين للمشاركة في التحقيق لتعزيز الشفافية والثقة، وفي المقابل، لم يصدر بعد رد رسمي من الإدارة الأمريكية على قرار الخرطوم، وسط توقعات بأن تتابع واشنطن خطوات اللجنة الوطنية وما ستسفر عنه التحقيقات.
تأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه السودان من أزمة إنسانية وأمنية معقدة، إثر الحرب الممتدة بين القوات المسلحه السودانيه وقوات الدعم السريع، مما زاد من وتيرة الانتهاكات الحقوقية المبلغ عنها في عدة مناطق، وتخشى منظمات حقوقية أن يؤدي تصعيد مثل هذه الاتهامات إلى مزيد من التعقيد في المسار السياسي والدبلوماسي، خاصة مع وجود مخاوف من تسييس الملف الحقوقي في سياق الصراع الداخلي والإقليمي.
بين النفي الحكومي والتحقيق المرتقب، تظل قضية “الأسلحة الكيميائية” واحدة من أخطر التحديات التي تواجه السودان في المرحلة الراهنة، لما لها من تبعات قانونية وأخلاقية وسياسية على المستويين الداخلي والدولي، ويبقى السؤال الأبرز: هل ستثبت اللجنة الوطنية براءة السودان من هذه التهم؟ أم أن التحقيقات ستفتح باباً جديداً أمام المساءلة والمحاسبة؟.