في تطور لافت للمشهد السياسي والميداني في السودان، أعلن حذيفة أبو نوبة، رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، عن ما وصفه بـ”الانتهاء الفعلي للمعركة العسكرية ضد الجيش السوداني”، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة تهدف إلى ما سمّاه “تأسيس الدولة السودانية الجديدة”، في وقت لا تزال فيه العمليات العسكرية مستمرة بعدة محاور وسط البلاد، وتحديداً في الخرطوم، وجاء إعلان أبو نوبة خلال لقاء جماهيري عُقد في إحدى مناطق جنوب دارفور، بحضور قيادات مجتمعية وأهلية، وأكد فيه أن المرحلة الجديدة تركز على تعزيز الاستقرار المجتمعي، وإنشاء أجهزة أمنية مدنية، في مقدمتها “قوات الشرطة الفيدرالية”، التي قال إنها بدأت الانتشار في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع بهدف تعزيز الأمن وتثبيت الإدارة المدنية.
اعتبر أبو نوبة أن نجاحات الدعم السريع العسكرية وفّرت الأرضية اللازمة للانتقال من المواجهة المسلحة إلى مرحلة جديدة تقوم على تمكين المواطنين من حقوقهم السياسية والاقتصادية، مشيراً إلى أن “المعركة القادمة” ستكون معركة بناء المؤسسات وضمان التوزيع العادل للثروة في ظل نظام فيدرالي يراعي العدالة والمساواة، كما دعا إلى تجاوز الخلافات القبلية التي قال إنها لطالما استُغلت لإضعاف وحدة النسيج الاجتماعي، محذراً من محاولات بعض الأطراف “استخدام الانقسامات القبلية كسلاح سياسي في وجه مشروع الدولة الجديدة”.
رغم التصريحات الصادرة عن قيادة الدعم السريع بشأن نهاية العمليات العسكرية، فإن التطورات الميدانية تشير إلى استمرار المواجهات في عدة مناطق، لا سيما في الخرطوم ووسط البلاد، وكان الجيش السوداني قد أعلن، في بيان رسمي أصدره يوم أمس، عن “تطهير العاصمة بالكامل من عناصر الدعم السريع”، مؤكداً أن ولاية الخرطوم أصبحت “خالية تماماً من المتمردين”، وفق تعبيره، وقال المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد نبيل عبد الله، إن الجيش سيواصل عملياته لاستعادة جميع المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، مؤكداً أن الهدف النهائي هو “فرض سيادة الدولة على كامل أراضي السودان”.
من جهة أخرى، تواجه قوات الدعم السريع تحديات سياسية متزايدة بعد توقيعها ميثاقاً سياسياً في مارس 2025 بالعاصمة الكينية نيروبي، مع عدد من الحركات المسلحة وشخصيات مدنية، ينص على تشكيل حكومة انتقالية موازية في المناطق التي تسيطر عليها القوات، ورغم الدعم المحلي الذي تلقاه هذا الإعلان من بعض القوى، إلا أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، سارع إلى رفض الخطوة، مؤكداً تمسكه بوحدة السودان وضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل تحت مظلة وطنية واحدة.
يرى مراقبون أن تصريحات أبو نوبة تمثل محاولة لإعادة تموضع سياسي لقوات الدعم السريع بعد أشهر من الحرب، في ظل عدم الاعتراف الدولي بأي كيان موازي، وغياب أرضية موحدة تجمع القوى السودانية المتصارعة، كما يعكس هذا التحول محاولة للدفع بمسار سياسي خاص بالدعم السريع، في وقت لا تزال فيه مؤسسات الدولة الرسمية، وعلى رأسها القوات المسلحة، ترفض أي ترتيبات خارج سيادة الدولة.