يشهد السودان واحدة من أسوأ أزماته الغذائية منذ عقود، حيث تدهور الوضع الإنساني إلى مستويات تنذر بكارثة حقيقية تهدد بقاء ملايين المواطنين. فبحسب تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في أواخر عام 2024، يعيش نحو 24.6 مليون شخص – أي ما يعادل نصف سكان البلاد – في حالة انعدام أمن غذائي حاد. يتوزع هؤلاء بين 15.9 مليون شخص في مرحلة الأزمة (المرحلة الثالثة)، و8.1 مليون في مرحلة الطوارئ (المرحلة الرابعة)، فيما وصل أكثر من 630 ألف شخص إلى مرحلة الكارثة أو المجاعة (المرحلة الخامسة). هذه الأرقام تعكس أزمة متفاقمة تجاوزت حدود الجوع الاعتيادي إلى تهديد وجودي للسكان، خاصة في المناطق المنكوبة بالنزاع.
تُعد مناطق دارفور، كردفان، والجزيرة من أكثر المناطق تضرراً، حيث أدى النزاع المستمر منذ أبريل 2023 إلى انهيار شبه كامل في الإنتاج الزراعي. في غرب دارفور تحديداً، تعذّر على المزارعين الوصول إلى أراضيهم بسبب انعدام الأمن، فيما سُجّلت انخفاضات تتراوح بين 60% و80% في إنتاج الحبوب بمناطق كردفان ودارفور. أما ولاية الجزيرة، التي كانت تُعرف تاريخياً بـ“قلب الزراعة السودانية”، فقد تحوّلت إلى بؤرة نزاع ونزوح بعد سيطرة المليشيات على مساحات واسعة من المشاريع الزراعية. أدّى ذلك إلى سرقة المعدات الزراعية ونزوح آلاف المزارعين، ما جعل موسم 2024 واحداً من أضعف المواسم الإنتاجية في تاريخ الولاية.
تتداخل في هذه الأزمة عوامل عديدة، أبرزها الحرب، والانهيار الاقتصادي، والاضطرابات المناخية. فالإنتاج الغذائي العام انخفض بنسبة 46% في عام 2023، وارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 200% مقارنة بالعام السابق، بينما بلغ معدل التضخم 145.5% بحلول أبريل 2024. إلى جانب ذلك، أدّت القيود على الحركة وانعدام الأمن في الطرق الزراعية إلى تعطّل سلاسل الإمداد، مما جعل الأسعار في الأسواق المحلية أعلى بنسبة تصل إلى 296% عن المتوسط. كما نزح أكثر من 1.8 مليون عامل زراعي، ما أضعف قدرة المجتمعات الريفية على الإنتاج الذاتي.
الأثر الأعمق للأزمة يظهر في ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، إذ يعاني أكثر من 4 ملايين طفل من سوء تغذية حاد، بينهم 730 ألف حالة شديدة الخطورة. في بعض مناطق وسط وشرق دارفور، تجاوزت معدلات سوء التغذية 25%، وهي مستويات قريبة من حدود المجاعة بحسب معايير منظمة الصحة العالمية. وتشير التقارير إلى أن نحو 90% من المناطق المصنفة في المرحلة الرابعة (الطوارئ) تقع في أماكن يصعب الوصول إليها، مما يمنع وصول المساعدات الغذائية والطبية إليها بانتظام. رغم أن هطول الأمطار كان فوق المتوسط في عام 2024، فإن النزاع المسلح والانهيار الأمني حالا دون استفادة البلاد من الموسم الزراعي. وتُحذّر منظمات دولية من أن المجاعة قد تمتد إلى 17 منطقة إضافية بحلول مايو 2025، تشمل شمال كردفان، جبال النوبة، وحتى أجزاء من الخرطوم. في ظل هذه المعطيات، يبدو أن السودان يتجه نحو أزمة غذائية طويلة الأمد ما لم يُتوصّل إلى وقف فوري للقتال، وفتح الممرات الإنسانية، وإعادة دعم القطاع الزراعي الذي يشكل شريان الحياة لملايين الأسر السودانية