في مشهد يعكس عمق المأساة التي يعيشها السودانيون الفارون من جحيم الحرب، يتفاقم الوضع الإنساني في معبر أرقين الحدودي بين السودان ومصر، حيث تحوّل هذا الممر الحيوي إلى نقطة اختناق ومعاناة لكثير من الأسر والعائلات التي قررت العودة إلى وطنها، هرباً من الغلاء أو بحثاً عن الاستقرار بعد شهور من النزوح. وخلال الأيام الأخيرة، شهد المعبر ازدحاماً غير مسبوق مع تزايد أعداد السودانيين العائدين من مصر. مئات الحافلات والشاحنات تقف لساعات وأحياناً لأيام في طوابير طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، في ظل غياب شبه تام للخدمات الأساسية، كالمياه، المراحيض، والمرافق الصحية.
العديد من العائدين أبلغوا عن انعدام التنظيم، وغياب التنسيق بين السلطات في المعبر، الأمر الذي فاقم من معاناة الأطفال، النساء، وكبار السن الذين يقضون ساعات طويلة بلا مأوى أو ظل، ولا يحصلون على الحد الأدنى من الدعم الإنساني أو الغذائي. وبالنسبة للعديد من السودانيين، لم تكن العودة خياراً سهلاً. ففي مصر، واجهوا صعوبات في الإقامة والاندماج، وارتفاع تكاليف المعيشة في ظل وضع اقتصادي صعب. وفي المقابل، فإن العودة إلى السودان تعني العودة إلى وطن منهك بالحرب والانهيار الاقتصادي والخدمات المدمرة، لكن كثيرين منهم لم يعد لديهم خيار آخر.
“بقينا في القاهرة سنة كاملة، لكن الإيجارات غالية والوضع صعب، عدنا للسودان رغم أننا نعلم أن الحياة هناك أصبحت شبه مستحيلة. لكن على الأقل هذا وطننا، وأهلنا هناك.”
ما يثير الاستغراب أن هذه الأزمة لم تقابل بتحرك جاد من الحكومة السودانية أو المصرية لتأمين عبور آمن وإنساني للناس. فلا وجود لفرق طوارئ، ولا أي دعم من الهلال الأحمر أو المنظمات الإنسانية. الكثير من العائلات تنام في العراء، بينما المرض ينتشر وسط الأطفال نتيجة قلة النظافة وسوء التغذية. وفي ظل هذا الواقع القاتم، تتصاعد أصوات المطالبات بضرورة التدخل العاجل من قبل المنظمات الدولية، وخاصة مفوضية شؤون اللاجئين والصليب الأحمر، لتقديم المساعدات وتخفيف الضغط عن معبر أرقين، الذي تحول إلى نقطة أمل مفقودة في طريق العودة إلى الوطن.
إن أزمة معبر أرقين ليست مجرد حادثة عابرة، بل تعكس حجم الانهيار الإنساني الذي يعيشه السودان على كل المستويات، في الداخل والخارج. وإذا لم يتم التحرك فوراً، فقد تتحول هذه الأزمة إلى كارثة صحية وإنسانية كبرى تهدد حياة الآلاف من المدنيين الضعفاء.